
الدكتور نسيم أبو خضير
في زمنٍ كثرت فيه المفاهيم المشوَّهة عن الدين ، وأُسيء فيه فهم كثيرٍ من معاني الإسلام ، يأتي كتاب سمو الأمير غازي بن محمد " الحب في القرآن الكريم في وقت أضاع الناس فيه حتى حب أنفسهم " ليضيء زاويةً قلّ من توقف عندها بعمق : الحب كجوهرٍ نقي للدين ، لا كعرضٍ جانبي فيه .
الحب في القرآن : نبعٌ إلهي يفيض على الوجود .
في كتابه ، يضع سمو الأمير غازي إطارًا رصينًا وجوهريًا لفهم الحب في القرآن الكريم ، مبينًا أن الحب ليس فقط قيمة أخلاقية ، بل حقيقة روحية أصيلة ، فالله سبحانه وتعالى – على جلاله وقداسته – يحب عباده ، ويحب المحسنين ، والمتقين ، والمتوكلين ، والتوابين ، والمتطهرين... ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ .
وفي المقابل ، يكره الله الظلم والفساد والإستكبار ، مما يدل على أن حب الله ليس حبًا عاطفيًا عابرًا ، بل هو حبٌ عادل ، واعٍ ، ومبني على صفات الإنسان وأفعاله .
أنواع الحب في القرآن الكريم :
يتناول الكتاب بدقة الأنواع المختلفة للحب في القرآن ، ويبين كيف أنه يتوزع على مستويين :
1. حب الله لعباده : وهو أرقى أشكال الحب ، ويُعطى لمن حقق صفات الطاعة والإخلاص والتقوى . وهذا الحب ليس مجرد تكريم معنوي ، بل هو اصطفاء وهداية ورضوان في الدنيا والآخرة .
2. حب العبد لله : وهو ما يسمو بالإنسان فوق الغرائز ، فيجعله يعبد ربّه حبًا له ، لا طمعًا في جنته فقط أو خوفًا من ناره ، كما قال الإمام علي بن أبي طالب : " ما عبدتك طمعًا في جنتك ولا خوفًا من نارك ، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك " .
3. حب الإنسان للناس والأشياء : وهو حبٌ فطري وغريزي ، يُضبط بأخلاق القرآن . ﴿ وَيُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ ، ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾ ، ولكن لا يُذم الحب ذاته ، بل يُذم الإفراط فيه على حساب حب الله والحق .
أثر حب الله على العبد :
الحب الذي يتحدث عنه القرآن ، كما يصوره سمو الأمير غازي ، ليس حبًا جامدًا ، بل هو طاقة تُغيّر حياة الإنسان . فإذا أحب العبد ربه ، رقّ قلبه ، وإطمأنت روحه ، وصغرت الدنيا في عينيه ، وزهد في باطلها ، وسعى لرضى محبوبه الأسمى في كل قول وفعل .
فحب الله يربّي لا يُدلّل ، يرفع لا يُنقص ، يبني العبد على مقام العبودية المحبة ، لا على الخوف فقط . ومن هنا نفهم قول الله تعالى :
﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ – أي أن العلاقة متبادلة ، قائمة على صفاء القلب وصدق التوجّه .
لماذا هذا الفهم مهم اليوم ؟
في عالمٍ يغلب عليه الخطاب القاسي والنافر ، وفي زمنٍ أصبح فيه الدين عند البعض رمزا للعقاب لا الرحمة ، يعيد هذا الكتاب ، المستند إلى القرآن الكريم ، تعريف العلاقة بين العبد وربّه على أساس الحب ، والرحمة ، والرغبة في القرب لا مجرد الخوف من البُعد .
هذا الفهم العميق والراقي للحب ، يعيدنا إلى جوهر الإيمان ، ويعلّمنا أن العبادة الحقة تنبع من الحب ، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من القلب .
الحب في القرآن الكريم، كما أضاءه سمو الأمير غازي بن محمد ، هو روح الدين ، وهو طوق النجاة للقلوب المتعبة ، وهو الطريق إلى الله لمن كان قلبه سليمًا . فلنعد إكتشاف هذا المعنى ، ولنربي أبناءنا على أن الدين ليس عقيدة جافة ، بل علاقة حب عميقة مع خالقٍ كريم ، يحبنا ويحب له الخير فينا .
فمن أحب الله حقًا… أحسن ، وصدق ، وسامح ، وأعطى ، وتواضع ، وسعى للخير في كل شيء .