شريط الأخبار
الملك يلقي خطاب العرش اليوم في افتتاح الدورة العادية الثانية الشرفات من مخيم البقعة: انتم شركاء في العمل الوطني الصادق؛ فلنخدم الوطن كتفاً بكتف الرواشدة يزور معرض الفنانة التشكيلية مريم الجمعاني "ملاذ الروح" الحية: ترامب هو القادر على لجم إسرائيل ترامب: سأراقب وضع حماس خلال 48 ساعة "الوزير الأسبق قفطان المجالي " يقود جاهة خطبة كبرى لـ" عشائر البرارشة والقرالة خاصة ( فيديو +صور ) ‏الرواشدة يرعى حفل توزيع شهادات التفوق في مسابقة انا موهوب مجمع الشفاء الطبي: الوضع الصحي في غزة كارثي والمستشفيات عاجزة عن إنقاذ الحياة وزير الطاقة يتفقد غرفة المراقبة والتحكم بشركة توزيع الكهرباء المالية النيابية: نسعى لإقرار الموازنة قبل نهاية كانون الثاني لضمان استمرارية المشاريع الأونروا تجدد الدعوات لإدخال المساعدات لقطاع غزة مع اقتراب الشتاء بدء مباحثات أميركية صينية في ماليزيا لتخفيف التوتر السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرا بحق أردني في مكة المومني:رئيس الوزراء يتابع الزيارات الميدانية ضمن خطط مؤسسية وتقارير دورية الأردن الثالث عربيا في مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2025 بنسبة 65.5% مطالب بإحياء الحرف التراثية في عجلون وصون الموروث الشعبي الصادرات الوطنية للاتحاد الأوروبي ترتفع 30.9 % بفضل جودتها الأردن يواصل رسم ملامح مرحلة من الحضور الإنتاجي والتجاري بالأسواق العالمية الملك يفتتح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الـ20 غدا 1.6 مليار دينار قدرات إنتاجية سنوية لقطاع الصناعات العلاجية واللوازم الطبية

الفاهوم يكتب : ذكاء الإدارة ورهان المستقبل

الفاهوم يكتب : ذكاء الإدارة ورهان المستقبل
الاستاذ الدكتور أمجد الفاهوم
لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تنظيريًا في الإدارة الأردنية، بل أصبح محورًا أساسيًا في مسيرة الإصلاح الإداري والرقمنة الحكومية. فمنذ إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي وخطة التنفيذ 2023–2027 بقيادة وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ترسخت رؤية وطنية تجعل الأردن مركزًا إقليميًا فاعلًا في هذا المجال، من خلال التركيز على محاور الحوكمة والبنية التحتية والمهارات والابتكار، مع ربطها الوثيق بأجندة التحديث الاقتصادي ورقمنة الخدمات الحكومية. وقد جاءت هذه الخطوات منسجمة مع خارطة تحديث القطاع العام 2022–2025 التي وضعت الأسس الثلاثة للإصلاح الإداري وهي تطوير الخدمات، وتحسين أداء المؤسسات، وتعزيز صناعة القرار، مما أتاح بيئة خصبة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإدارة العامة وتحليل البيانات وصياغة السياسات.
ويبرز في هذا السياق الدور الريادي والداعم لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي جعل من التحول الرقمي وتمكين الشباب من أدوات التكنولوجيا الحديثة أحد محاور رؤيته لمستقبل الدولة الأردنية. فقد وجّه سموه مرارًا إلى أهمية بناء حكومة ذكية وشباب مؤهل رقميًا، ورعاية مبادرات الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، وتوفير بيئة تُحفّز على التفكير الإبداعي واستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات العامة. كما دعم سموه مبكرًا مبادرات مثل "أسبوع الذكاء الاصطناعي” و"برنامج التحول الرقمي الحكومي”، وأسهم في ترسيخ ثقافة مؤسساتية ترى في التكنولوجيا وسيلة للنهوض الإداري والاقتصادي والاجتماعي، لا غاية شكلية.
ورغم هذا التقدم، لا تزال التحديات قائمة؛ فالتجزئة في قواعد البيانات الحكومية، وتفاوت جودة المعلومات، وبطء تحديث الأنظمة القديمة، تمثل عقبات حقيقية أمام التحول الشامل. كما تعاني المؤسسات من نقص الكفاءات المتخصصة في علوم البيانات، وتعقيدات المشتريات الحكومية التي لا تزال غير مهيأة للتقنيات الناشئة. وإلى جانب ذلك، تبرز تحديات الخصوصية والمخاطر الأخلاقية المرتبطة بالتحيزات الخوارزمية، مما يستدعي موازنة دقيقة بين الانفتاح والرقابة.
ولمواجهة هذه التحديات، اتخذت الحكومة الأردنية مجموعة من الإجراءات الحاسمة، كان أبرزها قانون حماية البيانات الشخصية رقم 24 لسنة 2023 الذي نظم عمليات المعالجة والاستخدام وحدد حقوق الأفراد والتزامات المؤسسات، إلى جانب سياسة الحوسبة السحابية الحكومية لعام 2020 التي وضعت إطارًا لتأمين البيانات وتبادلها بين الجهات الرسمية. كما عززت الحكومة جهودها من خلال الإطار الوطني للأمن السيبراني الذي حدد الأدوار المؤسسية والخطط التنفيذية لحماية البنية التحتية الرقمية والخدمات العامة.
وقد انعكست هذه الجهود بوضوح في تقدم مشروع الهوية الرقمية الموحدة من خلال تطبيق "سند”، الذي بات البوابة الرئيسة لمئات الخدمات الإلكترونية، متيحًا قاعدة بيانات موثوقة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحقق والتخصيص وتحليل رحلة المستخدم. ومع وصول عدد المستخدمين إلى أكثر من 1.6 مليون في عام 2025، تتجه الحكومة إلى توسيع المنظومة لتشمل أغلب المواطنين بحلول نهاية العام، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحول الذكي في الإدارة الحكومية.
ورغم ما تحقق، فإن الذكاء الاصطناعي في الإدارة الأردنية ما زال بحاجة إلى الانتقال من المشاريع التجريبية إلى الأنظمة التشغيلية المستدامة. ويتطلب ذلك توحيد معايير البيانات الحكومية، وتفعيل الحوكمة الرقمية، وإصدار أدلة تنظيمية لاستخدام الذكاء التوليدي في العمل الحكومي، مع تطوير سياسات المشتريات لتصبح أكثر مرونة وتقييمًا للمخاطر. كما يبرز هنا الدور الحيوي لبناء القدرات الوطنية، من خلال إعداد قيادات وكوادر حكومية قادرة على إدارة هذه التحولات بوعي واحتراف.
ومن المفيد هنا ان ننظر بإيجابية لتجارب المنطقة التي تقدم نماذج ملهمة يمكن الاستفادة منها. ففي الإمارات، يُوظف الذكاء الاصطناعي في صياغة التشريعات عبر "مكتب الاستخبارات التنظيمية” وتطوير الخدمات الصحية عبر منصات موحدة، بينما تعتمد السعودية من خلال هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) نهجًا وطنيًا موحدًا يُغطي كافة الجهات الحكومية ضمن رؤية 2030. أما قطر فقد ركزت على بناء شراكات عملية مع الشركات العالمية لتطوير تطبيقات حكومية قابلة للقياس خلال فترات زمنية محددة. وانطلاقًا من هذه التجارب، يمكن للأردن أن يخطو خطوات متقدمة عبر إنشاء هيئة وطنية لحوكمة البيانات، وإطلاق "مراكز تميز” في الوزارات لقيادة التحول الذكي، وتطبيق مفهوم العقود القائمة على النتائج في مشاريع الذكاء الاصطناعي الحكومية، بما يضمن تحقيق الأثر الحقيقي على جودة الخدمات ورضا المواطنين.
إن الذكاء الاصطناعي في الإدارة الحكومية ليس مجرد أداة تقنية، بل هو فكر إداري جديد يربط الكفاءة بالشفافية، ويجعل الدولة أكثر استباقية في فهم احتياجات الناس وصياغة السياسات العامة. وإذا ما أحسن الأردن استثمار هذا التحول، مستلهمًا رؤية القيادة الهاشمية ودعم سمو ولي العهد لمسار الرقمنة الوطنية، فإنه لن يعزز فقط أداء الإدارة، بل سيصنع نموذجًا عربيًا رائدًا يجمع بين التحديث والحوكمة والإنسانية في آن واحد.