شريط الأخبار
نظام حكومي جديد لأندية المعلمين يتيح انتسابا اختياريا ويمنح الأعضاء خدمات صندوق التكافل رئيس "غوغل":نماذج الذكاء الاصطناعي قد ترتكب أخطاء الجغبير: زيارة الملك للمصانع رسالة دعم قوية للقطاع الصناعي مسيرة 13 عاماً و11 نادياً.. أسطورة كرة القدم الذي لم يلعب أي مباراة الصبيحي يوجه رسالة متكررة لرئيس الوزراء حسان..!! ترامب يقيم مأدبة في البيت الأبيض على شرف بن سلمان بحضور ماسك ورونالدو أسعار النفط تتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتعزز مخاوف تخمة المعروض بسبب الأسلحة الرياضية.. استبعاد الرماة الروس من سوردمبياد طوكيو طقس خريفي لطيف فوق المرتفعات ومعتدل في بقية المناطق الـMAGA تتسرّب من قبضة ترامب: تمرّد جمهوري؟ "بتكوين" تهبط دون 90 ألف دولار وسط حذر المتعاملين رونالدو يجذب عدسات الإعلام خلال لقاء ترامب وبن سلمان ورسالة خاصة من الرئيس الأمريكي للـ"دون" تغييرات وتعيينات متوقعه في مواقع مهمة ..قريبآ بحضور سفراء المكسيك وبنغلادش والسودان... سهرة ثقافية سياسية على مائدة الشيخ علي الزّيدان الحنيطي في أبو علندا ( فيديو وصور ) القوات الباكستانية تقضي على 38 مسلحًا في شمال غربي البلاد السعودية تعتزم رفع استثماراتها في أمريكا إلى تريليون دولار شهيدان في غارتين إسرائيليتين على جنوب لبنان رئيسة منظمة حلم الدكتورة نوار عاصم بصمة قائدة عربية 2025 وزير الثقافة يزور محترف وجاليري الفنان التشكيلي حازم الزعبي محافظ معان يتفقد البرامج الشبابية والتطوير الرياضي

الفاهوم يكتب : ذكاء الإدارة ورهان المستقبل

الفاهوم يكتب : ذكاء الإدارة ورهان المستقبل
الاستاذ الدكتور أمجد الفاهوم
لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تنظيريًا في الإدارة الأردنية، بل أصبح محورًا أساسيًا في مسيرة الإصلاح الإداري والرقمنة الحكومية. فمنذ إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي وخطة التنفيذ 2023–2027 بقيادة وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ترسخت رؤية وطنية تجعل الأردن مركزًا إقليميًا فاعلًا في هذا المجال، من خلال التركيز على محاور الحوكمة والبنية التحتية والمهارات والابتكار، مع ربطها الوثيق بأجندة التحديث الاقتصادي ورقمنة الخدمات الحكومية. وقد جاءت هذه الخطوات منسجمة مع خارطة تحديث القطاع العام 2022–2025 التي وضعت الأسس الثلاثة للإصلاح الإداري وهي تطوير الخدمات، وتحسين أداء المؤسسات، وتعزيز صناعة القرار، مما أتاح بيئة خصبة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإدارة العامة وتحليل البيانات وصياغة السياسات.
ويبرز في هذا السياق الدور الريادي والداعم لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي جعل من التحول الرقمي وتمكين الشباب من أدوات التكنولوجيا الحديثة أحد محاور رؤيته لمستقبل الدولة الأردنية. فقد وجّه سموه مرارًا إلى أهمية بناء حكومة ذكية وشباب مؤهل رقميًا، ورعاية مبادرات الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، وتوفير بيئة تُحفّز على التفكير الإبداعي واستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات العامة. كما دعم سموه مبكرًا مبادرات مثل "أسبوع الذكاء الاصطناعي” و"برنامج التحول الرقمي الحكومي”، وأسهم في ترسيخ ثقافة مؤسساتية ترى في التكنولوجيا وسيلة للنهوض الإداري والاقتصادي والاجتماعي، لا غاية شكلية.
ورغم هذا التقدم، لا تزال التحديات قائمة؛ فالتجزئة في قواعد البيانات الحكومية، وتفاوت جودة المعلومات، وبطء تحديث الأنظمة القديمة، تمثل عقبات حقيقية أمام التحول الشامل. كما تعاني المؤسسات من نقص الكفاءات المتخصصة في علوم البيانات، وتعقيدات المشتريات الحكومية التي لا تزال غير مهيأة للتقنيات الناشئة. وإلى جانب ذلك، تبرز تحديات الخصوصية والمخاطر الأخلاقية المرتبطة بالتحيزات الخوارزمية، مما يستدعي موازنة دقيقة بين الانفتاح والرقابة.
ولمواجهة هذه التحديات، اتخذت الحكومة الأردنية مجموعة من الإجراءات الحاسمة، كان أبرزها قانون حماية البيانات الشخصية رقم 24 لسنة 2023 الذي نظم عمليات المعالجة والاستخدام وحدد حقوق الأفراد والتزامات المؤسسات، إلى جانب سياسة الحوسبة السحابية الحكومية لعام 2020 التي وضعت إطارًا لتأمين البيانات وتبادلها بين الجهات الرسمية. كما عززت الحكومة جهودها من خلال الإطار الوطني للأمن السيبراني الذي حدد الأدوار المؤسسية والخطط التنفيذية لحماية البنية التحتية الرقمية والخدمات العامة.
وقد انعكست هذه الجهود بوضوح في تقدم مشروع الهوية الرقمية الموحدة من خلال تطبيق "سند”، الذي بات البوابة الرئيسة لمئات الخدمات الإلكترونية، متيحًا قاعدة بيانات موثوقة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحقق والتخصيص وتحليل رحلة المستخدم. ومع وصول عدد المستخدمين إلى أكثر من 1.6 مليون في عام 2025، تتجه الحكومة إلى توسيع المنظومة لتشمل أغلب المواطنين بحلول نهاية العام، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحول الذكي في الإدارة الحكومية.
ورغم ما تحقق، فإن الذكاء الاصطناعي في الإدارة الأردنية ما زال بحاجة إلى الانتقال من المشاريع التجريبية إلى الأنظمة التشغيلية المستدامة. ويتطلب ذلك توحيد معايير البيانات الحكومية، وتفعيل الحوكمة الرقمية، وإصدار أدلة تنظيمية لاستخدام الذكاء التوليدي في العمل الحكومي، مع تطوير سياسات المشتريات لتصبح أكثر مرونة وتقييمًا للمخاطر. كما يبرز هنا الدور الحيوي لبناء القدرات الوطنية، من خلال إعداد قيادات وكوادر حكومية قادرة على إدارة هذه التحولات بوعي واحتراف.
ومن المفيد هنا ان ننظر بإيجابية لتجارب المنطقة التي تقدم نماذج ملهمة يمكن الاستفادة منها. ففي الإمارات، يُوظف الذكاء الاصطناعي في صياغة التشريعات عبر "مكتب الاستخبارات التنظيمية” وتطوير الخدمات الصحية عبر منصات موحدة، بينما تعتمد السعودية من خلال هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) نهجًا وطنيًا موحدًا يُغطي كافة الجهات الحكومية ضمن رؤية 2030. أما قطر فقد ركزت على بناء شراكات عملية مع الشركات العالمية لتطوير تطبيقات حكومية قابلة للقياس خلال فترات زمنية محددة. وانطلاقًا من هذه التجارب، يمكن للأردن أن يخطو خطوات متقدمة عبر إنشاء هيئة وطنية لحوكمة البيانات، وإطلاق "مراكز تميز” في الوزارات لقيادة التحول الذكي، وتطبيق مفهوم العقود القائمة على النتائج في مشاريع الذكاء الاصطناعي الحكومية، بما يضمن تحقيق الأثر الحقيقي على جودة الخدمات ورضا المواطنين.
إن الذكاء الاصطناعي في الإدارة الحكومية ليس مجرد أداة تقنية، بل هو فكر إداري جديد يربط الكفاءة بالشفافية، ويجعل الدولة أكثر استباقية في فهم احتياجات الناس وصياغة السياسات العامة. وإذا ما أحسن الأردن استثمار هذا التحول، مستلهمًا رؤية القيادة الهاشمية ودعم سمو ولي العهد لمسار الرقمنة الوطنية، فإنه لن يعزز فقط أداء الإدارة، بل سيصنع نموذجًا عربيًا رائدًا يجمع بين التحديث والحوكمة والإنسانية في آن واحد.