القلعة نيوز :
لم تقدم شريعة سماوية عطاءً تنموياً واقتصادياً كما قدمت الشريعة الإسلامية، ولذلك استحقت أن تكون خاتمة الشرائع السماوية؛ فقد تضمنت كل ما يحقق الاستقرار الاقتصادي، ويضمن عدم الإفساد في الأرض، ويحمى الموارد الطبيعية من طغيان الإنسان وانحرافه.. كما حملت من التشريعات والأحكام ما يدفع الإنسان والجماعات والحكومات إلى إتقان العمل وتجويد الإنتاج، وتنمية الموارد الطبيعية، وتعظيمها لتحقيق الخير للإنسان، ليعيش الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين الملتزمين بتعاليم السماء.
ورغم عطاء شريعتنا الإسلامية الغراء في المجال الاقتصادي، وتعمير الأرض، وحماية وتنمية ما حبانا الله به من خيرات؛ إلا أن جهلاء في الشرق والغرب لا يتوقفون عن اتهام الشريعة الإسلامية بما ليس فيها، وإلصاق ما لحق بالناس في عالمنا المعاصر من كسل وتراخ وفساد وإفساد بها، حيث لم يكلف هؤلاء أنفسهم البحث والتحري، أو سؤال أهل العلم والفقه؛ عما يطارد عقولهم من وساوس، واتهامات عشوائية، يستقون بعضها من كتابات وتُرهات عناصر تناصب الإسلام وشريعته العداء.
آخر تلك الاتهامات العشوائية ما سطره أحد الكتاب من أن الشريعة الإسلامية تحرض على نهب الممتلكات العامة، واستدل على مزاعمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له» (أخرجه البخاري في صحيحه 8/41)4. وتساءل: كيف يضع إنسان يده على أرض مملوكة لكل أفراد المجتمع، ويدعي أنه الأحق بها لمجرد أنه استصلحها وزرعها؟ وقال: لو عملنا بهذا الحديث، وفتحنا هذا الباب لسيطر لصوص الأراضي في كل البلاد الإسلامية على أراضي الدولة، وما بقي للأجيال الجديدة منها قيراطاً واحداً.
كما ادعى آخر بأن الإسلام لا يقدم حوافز للمؤمنين به لكي يستفيدوا مما أنعم الله به عليهم من الموارد والخيرات، ولذلك تجد بعض الدول الإسلامية التي تمتلك إمكانات وموارد طبيعية جيدة لا تزال في عداد الدول النامية!! ويزعم ثالث أن تعاليم الإسلام تشجع على التواكل وتحد من التنافس والسعي الجاد لتعمير الكون؛ كما يفعل الإنسان في الغرب!!
ولمناقشة ذلك في البداية يؤكد الدكتور عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن شريعتنا الإسلامية الغراء تقدم للإنسانية كلها – وليس للمسلمين وحدهم – عطاءً كبيراً ومتميزاً في المجال الاقتصادي، كما تقدم عطاءها الكبير في مختلف المجالات، فالإسلام أراده الله ديناً خاتماً لرسالاته السماوية لاشتماله على كل ما ينظم للبشرية حياتها العامة والخاصة.
ويضيف قائلاً: عطاء الإسلام الاقتصادي فريد ومتميز، ويرد على كل الاتهامات العشوائية التي ترد على ألسنة أشخاص لا يعرفون شيئاً عن شريعتنا ويرددون أقوال تؤكد عدم علمهم ودرايتهم بما جاء به الإسلام من تشريعات، وما يشتمل عليه من أحكام تنظم للناس حياتهم كلها في كل عصر، وصدق الحق سبحانه وتعالى حيث يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شىء) الأنعام38، كما يقول عز وجل: (… اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا) المائدة3.
الدكتور الضويني يؤكد وقوف الإسلام في وجه كل صور الإفساد في الأرض، وحث على الاستخدام الرشيد لكل ما يحيط بنا من خيرات أنعم الله بها علينا.. قدم الإسلام محفزات كثيرة على الاستثمار النظيف الذي يرتقي بالموارد الطبيعية ويحسن استخدامها، وأحاط ذلك بمجموعة من الضوابط والمفاهيم والقيم الأخلاقية التي من شأنها أن تخلق مناخاً يساندها دليل، ويقول: عطاء شريعتنا الإسلامية الاقتصادي فريد ومتميز بالفعل، وقد شهد بذلك الباحثون وخبراء الاقتصاد والتنمية المنصفون من غير المسلمين، ولذلك لا ينبغي أن ننساق وراء تهمة يرددها جاهل بالإسلام أو حاقد عليه، ويقول: البعض يتحدث عن إهمال الموارد الطبيعية، وشيوع التلوث في بعض بلاد المسلمين، ويحاول أن يربط ذلك بالإسلام، وهذا في الواقع ربط مغرض، لأن إهمال الموارد الطبيعية، وعدم رعايتها وتنميتها سلوك مدان إسلامياً، سواء صدر عن شخص أو هيئة أو جهة أياً كانت مسؤوليتها، فالإسلام يأمرنا برعاية الموارد الطبيعية وتنميتها؛ بما يحقق مصالح الأمة وطموحات الشعوب في حياة مستقرة اجتماعياً واقتصادياً.محفزاً ودافعاً له.
وللمحافظة على النعم والخيرات والموارد الطبيعية وتنميتها قدمت الشريعة الإسلامية – كما يقول وكيل الأزهر – محفزات كثيرة تشجع الاستثمار في تنمية الموارد الطبيعية، مثل مشروعات تحلية مياه الشرب، واستصلاح الأراضي الصحراوية وزراعتها، وحماية البيئة من التلوث، واستخراج المعادن المفيدة من باطن الأرض.. فهذه القطاعات الحيوية تمثل العمود الفقري للاستثمار، وينبغي على أصحاب الأموال عدم اكتنازها، أو التواكل على الحكومات في هذه المشروعات الحيوية التي تعود بالنفع على المجتمع كله.
الدكتور سيف قزامل، أستاذ الشريعة الإسلامية، والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون بالأزهر، يلتقط خيط الحديث من الدكتور الضويني، ويؤكد أن تجريم الإفساد في الأرض هو أبرز صور حماية الموارد الطبيعية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وهذا التجريم جاءت به نصوص شرعية عديدة منها قول الحق سبحانه (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين) البقرة60، وقوله عز وجل (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين) الأعراف56.
من جانبه يقول الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين لا شك أن التلوث بكل صوره وأشكاله أصبح عبئاً اقتصادياً كبيراً على مجتمعاتنا الإسلامية، ذلك أن مواجهة هذا التلوث يتطلب إنفاق مبالغ كبيرة تؤثر على ميزانيات الدول وعطائها في قطاعات الخدمات التي تقدمها لمواطنيها، كما يؤثر ما ينفق على مكافحة التلوث على ما يقدم في مجال التنمية، وهنا يظهر عطاء الشريعة الإسلامية التي واجهت أسباب تلوث البيئة قبل أن تكافح ما يحدث من تلوث، وعطاء شريعتنا الغراء يظهر بوضوح فيما قدمته من أوامر ونواه وتوجيهات وأحكام، تحرم كل ما من شأنه الإضرار بالبيئة، حيث ترى التلوث البيئي شكلاً من أشكال الإفساد في الأرض وهو يستوجب معاقبة من يقوم به..
الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية، يقول: الحكم على الإسلام من خلال تشريعاته وأحكامه وآدابه وأخلاقياته، وليس من خلال سلوك مخالف يرتكبه شخص أو جماعة أساءوا فهم الإسلام، ولم يلتزموا بما دعا إليه، ويقول: الإسلام يلزم كل إنسان بالعمل والسعي الجاد لتحصيل رزقه ورزق من يعول، ويسهم بدوره في تعمير الكون، وكل من يقصر في أداء هذا الواجب لا يعد متديناً، فالتدين الصحيح يدفع صاحبه إلى العمل والإنتاج لتوفير مقومات الحياة الكريمة لنفسه وأسرته أولاً، ثم المساهمة في النهوض بمجتمعه، وتحسين أحواله الاقتصادية.
وهنا يؤكد الدكتور غنايم ضرورة أن يدرك كل مسلم أن الإسلام الذي يشرف بالانتماء إليه؛ دين وسطية وتوازن واعتدال، دين لا يريد منا أن نعمل للآخرة على حساب الدنيا، ولا أن نعمل للدنيا على حساب الآخرة، وإنما نعمل من أجلهما معاً في تناسق وانسجام، كما يقول الحق سبحانه وتعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) القصص77.. وكما جاء في الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
الدكتور أحمد فؤاد باشا، العميد الأسبق لكلية العلوم ونائب رئيس جامعة القاهرة، يؤكد أن حالة الجمود الحضاري والتواضع الاقتصادي التي تعيشها بعض الدول الإسلامية ترجع إلى عدم الأخذ بالمنهج الإسلامي للتغيير والإصلاح، ويقول: الإسلام يفرض علينا دائماً السعي الجاد للإصلاح والتغيير والتطوير، وتحديث كل مجالات حياتنا، وكل تراجع عن ذلك يعد – في نظر الإسلام – خروج على منهج الإسلام.
ويضيف قائلاً: تعاني بعض أقطارنا الإسلامية من مشكلات اقتصادية، هذا أمر واقع ولا ينكره أحد.. لكن من العبث أن نرجع ذلك لغير أسبابه الحقيقية، فهذه الدول لا تعتمد المنهج العلمي في حل مشكلاتها، ولا توظف مواردها وإمكاناتها بالشكل الأمثل، ولا تحفز مواطنيها على العمل والإنتاج والاستثمار كما ينبغي أن يكون التحفيز.. وهنا ينبغي أن نتحدث عن الأسباب الحقيقية للتراجع الحضاري أو التواضع الاقتصادي لتلك الدول، ولا نقحم الإسلام باعتباره سبباً في أزماتها أو مشكلاتها، لأن الزج بالإسلام هنا هو من صنيعة أعداء الإسلام الذين يحاولون الزج به في المشكلات والأزمات التي نعاني منها ليقيموا جسوراً أكبر بين الإسلام وأتباعه من جانب، وبينه وبين غير المسلمين من جانب آخر.
وينتهي النائب السابق لرئيس جامعة القاهرة إلى التأكيد على ضرورة تبني كل خطط الإصلاح والتقويم في مختلف المجالات، ويقول: التجديد والإصلاح هو منهج الإسلام، والقضاء على مظاهر الجمود وصور الفساد والانحراف عن منهج الإسلام القويم في التعليم والاقتصاد والإصلاح الاجتماعي ليس مستحيلاً ولا صعب التحقق في ظل وجود إرادة حقيقية، وفي ظل وجود خيرات وموارد طبيعية وثروات وخيرات كثيرة ومتنوعة حبا الله بها عالمنا الإسلامي، وفي ظل وجود عقول مستنيرة مؤهلة قادرة على تنفيذ خطط الإصلاح الشامل الذي نتطلع إليه.