ونحن نقف على أعتاب العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ما تزال قوانين البنوك الإسلامية في العديد من الدول العربية مثل مصر ودول المغرب العربي لم توضع موضع التنفيذ و تسجل البنوك الاسلامية حضوراً كما هو في العديد من الدول العربية والإسلامية ولا حتى على مستوى حضورها في بعض الدول الغربية، كما رأينا في حالة التنافس الشديد بين عواصم هذه الدول لتحتضن التمويل الإسلامي ونشاط مؤسساته مثل لندن وباريس وأخيراً لحقت ألمانيا وروسيا في السباق لجذب مؤسسات مالية إسلامية والسماح لها بأن تنشط على أراضيها، أضف إلى ذلك النشاط الإعلامي على أراضي هذه الدول مثل عقد المؤتمرات والملتقيات الدولية المخصصة لقطاع التمويل الإسلامي فيما قبل جائحة كورونا، وبعد أن ترسخت القناعة لديهم بحقيقة الصناعة المصرفية الإسلامية وفاعلية أدواتها التمويلية في المساهمة في الاستقرار الاقتصادي، خاصة بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة، كما كان لغياب دول عربية أخرى عن هذه الصناعة ولو كان بتواجد خجول مثل سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن بسبب الظروف السياسة وتداعيات الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها هذه البلدان؛ ما تسبب بحرمان الصناعة المصرفية الإسلامية لأسواق مهمة، وحرمان مجتمعاتها من الخدمات المالية المقدمة من هذا القطاع والملتزم بأحكام الشريعة الاسلامية.
وللأهمية التي نراها في تعزيز مكانة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والخدمات المالية التي تقدمها في مجتمعاتنا العربية دون استثناء فأنه وبكل تأكيد سينعكس إيجابا على اقتصادياتها ويوفر مصادر تمويل إضافية تؤمن لها احتياجياتها التمويلية من جمع المدخرات المحلية والتي كانت بعيدة عن السوق المصرفية بسبب الوازع الديني لدى هذه المجتمعات، ورغبة الأفراد في الاستثمار الحلال، وكذلك من مدخرات جاليات هذه الدول التي تعمل في دول مختلفة وترغب بالاستثمار الحلال في بلدانها، بعد أن وقع العديد من هذه الجاليات لعمليات النصب والاحتيال، ابطالها شركات وهمية تدعي توظيف الأموال منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، فخسرت اقتصادياتنا عشرات المليارات من الدولارات ذهبت إلى جيوب المحتالين، والنتيجة ضياع المدخرات الوطنية،وانعطاف سلبي وخطير لسلوك المدخرين من خلال التوجه للاحتفاظ بمدخراتهم على شكل مقتنيات غير منتجة وغير فاعلة في النشاط الاقتصادي، هذا من جانب ومن جانب اخر ستعمل على استقطاب رؤوس الأموال المهاجرة والتي تبحث عن مجالات استثمار آمنة، وتتطلع كذلك إلى حصة لها في صناديق الاستثمار السيادية سواء المحلية منها أو الدولية.
ما أردنا قوله إن الدول العربية التي تشهد غيابا واضحا للصناعة المصرفية الإسلامية تمثل في مجموع سكانها ما يزيد على ثلثي سكان الوطن العربي وما تعانيه اقتصادياتها من دمار للبنية التحتية انعكس على اقتصاديات بقية الدول، وتراجع لأدائها، حيث الارتفاع في معدلات البطالة، وتراجع للنشاطات الاستثمارية في كلا القطاعين العام والخاص وتبع ذلك هروب رؤوس الأموال والعديد من الاستثمارات للخارج، اضافة إلى عدم قدرتها على جذب والاحتفاظ بالاستثمارات الأجنبية لديها، وما رافق ذلك من تراجع للأستثمارات العربية البينية في كافة القطاعات.
إن الوطن العربي مقبل على فرص هائلة للاستثمار منها ما هو متعلق بالتنمية المحلية والتنمية المستدامة ومنها ما يوجه لاعمار ما دمرته الاضطرابات الداخلية في البلدان المذكورة وتشير التقديرات الإحصائية إلى حاجة الوطن العربي اليوم إلى ما يقارب الـ 100مليون فرصة عمل، إذاً سنكون بحاجة إلى حجم هائل من التمويل لتغطية حاجاتنا لهذه المرحلة ومتطلباتها من المشاريع، وعلينا الاستعداد كمؤسسات مالية ومصرفية إسلامية للمساهمة الفاعلة في هذه المرحلة والاستعداد لتغطية المساحات التي غُيبت عنها هذه الصناعة، لكون البيئة الاقتصادية والشرعية مهيئة بانتظار أن تنضج البيئة القانونية والتشريعية لمزاولة هذا القطاع في البلدان التي لازالت مترددة أو ظروفها السياسية غير جاهزة.
- باحث ومتخصص في التمويل الاسلامي