جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية وضمن دورة الدفاع 19 بعنوان «الإدارة الاقتصادية والأمن الوطني « للدارسين في دورة الدفاع الوطني التاسعة عشرة وبرنامج ماجستير «استراتيجيات في مواجهة التطرف والارهاب»، بحضور آمر الكلية العميد الركن الدكتور عوض الطراونة وأعضاء هيئة التوجيه في الكلية.
وأضاف الدكتور النسور، أن الأمن الاقتصادي يعتمد بشكل جوهري على قدرة الدول في إدارة وتنمية القطاعات الاقتصادية الرئيسية ومواردها، لافتاً إلى وجود ترابط بين الأمنين الاقتصادي والوطني في عصر العولمة، الأمر الذي ينعكس على أهمية اتخاذ القرارات الاقتصادية بحذر، لتفادي إبراز نقاط الضعف التي تجلّت من خلال هذا الترابط وانعكاساتها على الأمن الوطني على الصعيدين الداخلي والخارجي.
واستعرض الدكتور النسور عناصر قوة الدولة الرئيسية والتي تمحورت حول العديد من العوامل المعنوية والمادية، ومن ضمنها القدرة الاقتصادية للاقتصاد الوطني والمؤشرات التي تساهم في تحديد قوة الاقتصاد الوطني، من خلال تحليل لكافة الأبعاد التشريعية والمؤسسية والاجرائية، مشيراً إلى أن الأمن الوطني يعرف بأنه تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ الخطط الاستراتيجية للتنمية الشاملة بهدف تأمين الدولة من الداخل والخارج بما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، بالقدر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم، فيما تهدف التّنمية الاقتصاديّة إلى زيادة الدخل القومي واستثمار الموارد الطبيعية ودعم رؤوس الأموال ومعالجة الفساد الإداري، إضافة إلى كفاءة إدارة الديون الخارجية.
وأشار إلى أن البرامج والخطط الحكومية يجب أن تستجيب لحجم التحديات داخل الاقتصاد الأردني ولا بد من أن تشهد السياسات الحكومية الاقتصادية انسجاما وتكاملاً، لهذا فإنه من الضروري جداً وجود نهج اقتصادي واضح المعالم يضع رؤية مبنية على المزايا التنافسية التي تتمتع بها المملكة ضمن إدارة اقتصادية قادرة على ترجمة السياسات والبرامج إلى خطة عمل واضحة وقابلة للقياس والمتابعة من أجل تحقيق معدلات نمو كما هو مستهدف في خطط العمل، إضافة إلى المساهمة في التقليل من معدلات البطالة والفقر.
ولفت الدكتور النسور، إلى أن استقرار النظام السياسي وانفتاحه على اقتصادات العالم يحظى بالاهتمام الكبير بسبب دوره في حفظ الأمن الوطني الذي لم يعد مقتصراً كما كان سابقاً على مفاهيم أمن الدولة بمؤسساتها الرسمية وحسب، وإنما يأخذ بعين الاعتبار مستويات الامن الوطني كالأمن الاجتماعي والاقتصادي والصحي والغذائي والإنساني الذي يُعنى بالاستثمار في الطاقات البشرية والاستقرار الاجتماعي لاسيما في ظل الزيادة السكانية وتطور الحياة العصرية.
واعتبر الدكتور النسور، أن الأمن الاقتصادي يعتمد بشكلٍ جوهري على قدرة الدولة في إدارة وتنمية القطاعات الاقتصادية الرئيسية ومواردها كالقطاع الزراعي والصحي والصناعي والمصرفي وغيرها، مشيراً إلى الجهود التي يبذلها الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني لتحسين الإدارة الاقتصادية والوصول إلى مستوى رفيع من الأمن الوطني.
وشدد الدكتور النسور على أهمية دراسة الأدبيات السابقة والأطر النظرية التي درست العلاقة بين الإدارة الاقتصادية والأمن الوطني واسقاطها بشكلٍ واقعي على المشهد الاقتصادي والسياسي الأردني، لافتاً إلى ورقة بحثية قام بنشرها مركز أبحاث (RAND) في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام الباحثون بتطوير إطار نظري لتحليل مدى تداخل العوامل الخارجية (الإقليمية والدولية) والمعطيات الاقتصادية (العالمية والوطنية) مع مستويات الأمن الوطني مع أخذ عوامل الخطر الهيكلي بعين الاعتبار بهدف تبيان أهم نقاط الضعف في منظومة الإدارة الاقتصادية.
وعرض الدكتور النسور بشكل مفصل تحليلاته للبيانات المتعلقة بواقع الاقتصاد الوطني مثل (الموقف الأردني من التجارة الدولية، ومستويات الانفاق والاستثمارات الوطنية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومعدلات التوظيف والبطالة، والتقدم التكنولوجي، والانفاق الحكومي، وكفاءة رأس المال البشري الأردني)، حيث قام بإسقاط أبعاد الإطار النظري الخاص بمركز أبحاث (RAND) على التجربة الأردنية وقسم نقاط ارتباط الإدارة الاقتصادية مع الامن القومي إلى عدة مستويات بدءاً من العوامل الخارجية للإدارة الاقتصادية والتي تؤثر على الامن الوطني والمتمثلة في العولمة والانفتاح الاقتصادي، حيث أصبح الأمن الاقتصادي والوطني مرتبطاً بتطورات المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي والإقليمي.
وفيما يتعلق بدور الاقتصاد السياسي والمؤسسات وإدارتها في نجاح الدول أو فشلها وبما ينعكس على مستويات المعيشة فيها، أكد النسور أن المؤسسات السياسية والاقتصادية الشاملة هي تلك التي تمثل جميع مكونات المجتمع وتقوم على مبادئ تقاسم السلطة والإنتاجية والتعليم والتقدم التكنولوجي، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على المستويات المعيشية والرفاه للمواطنين، وأما المؤسسات السياسية والاقتصادية الإقصائية التي تقوم على مبادئ احتكار الثروات والموارد من من غالبية المجتمع وتوظيفها في خدمة أقلية نخبوية متنفذة لا يمكن أن تحقق التنمية المنشودة للشعوب.
وتحدث الدكتور النسور عن قصة نجاح شركة البوتاس العربية ومساهمتها في التنمية الاقتصادية في المملكة من خلال توفيرها لآلاف فرص العمل النوعية، ودورها في تنمية المجتمعات المحلية، ومساهمتها في رفد خزينة الدولة بالرسوم والضرائب وعوائد التعدين وتوزيعات الأرباح، مبيناً أن الشركة رفدت خزينة المملكة بحوالي (264) مليون دينار خلال الأعوام 2018-2020 شكلت ما معدّله 65% من أرباح الشركة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهذا يعني أن كل دينار ربح إضافي حققّته شركة البوتاس العربية رفد خزينة المملكة الأردنية بـ 650 فلس بشكل إضافي.
كما شكلت مبيعات البوتاس وعلى مدار السنوات العشر الماضية ما يقارب 10% من مجمل قيمة الصادرات الأردنية، الأمر الذي أسهم بدوره في ترجيح كفة الصادرات الوطنية في الميزان التجاري الأردني الذي يعاني من عجز مستمر، مشيراً إلى التطورات الإيجابية والنوعية التي شهدتها « البوتاس العربية» في السنوات الثلاثة الأخيرة والتي انعكست بشكل مباشر على أدائها المالي وعلى قيمتها السوقية التي وصلت إلى حوالي 2.52 مليار دينار في العام 2021 مقارنة مع 1.34 مليار دينار مع نهاية العام 2018.
وأشار الدكتور النسور إلى وجود علاقة وثيقة بين الإنفاق العسكري والنمو الاقتصادي، مؤكداً على أهمية الإنفاق العسكري الذي يركز على البحث والتطوير واستيعاب التكنولوجيا ونشرها وتوسيع القاعدة الصناعية العسكرية والمدنية.
وفي نهاية المحاضرة وفي معرض إجابته عن أسئلة المشاركين، شدّد الدكتور النسور على أهمية الأمن الاقتصادي والذي يعتمد على قدرة الدول في إدارة وتنمية القطاعات الرئيسة ومواردها، وأبرز دور الإدارة الناجحة على كافة المستويات في الدولة في تدعيم الأمن الاقتصادي الذي يشكل إحدى ركائز الأمن الوطني.