القلعة نيوز - كثيرة هي الروايات التي سمعتها عن سبب جنون موسى،مرة يصفونه أهل الحارة بالمجنون ومرة الهبيلة ومرة بالمسكين والمبروك وغيرها من أوصاف تلتصق بمن يهيم على وجه ويطارده الصغار. قالوا أن قريبا له طمع بالإستيلاء على أرض موسى وهو صغير، علقه من قدميه في بئر ثلاثة أيام بلياليها ولذلك فقد عقله، وقالوا أنه تزوج وماتت زوجته وطفلته حريقا في دارهم، وقالوا أنه كان بطلا وعذبوه اليهود حتى اختل شعوره. لا أذكر اللحظة التي صار فيها موسى صديقي الكبير، قد تكون بدأت العلاقة ذات مرة حينما وقفت في جبهته ارشق أولاد الحارة بالحجارة عندما صاحوا به "موسى بطاطا كوسا" فدخل بيتنا وحياتي، يأكل يوميا معنا، يغيب ويظهر فجأة بعض النهارات، يتفرج معي على صور باسم ورباب في كتابي ويضحك، مرة عاد من إحدى غيباته وأخرج لي من عُب معطفه الذي لايخلعه صيفا شتاء قصة الفصولياء العجيبة.. جيوب موسى كجراب الحاوي، متهدلة حتى حصى فيها. ذات مرة وجدته ينتظرني عند باب المدرسة أثناء انصرافنا إلى بيوتنا، شعرت بحرج شديد، غضبت جدا، بعدما ابتعدنا عن المدرسة صرخت به، لماذا لحقت بي ؟! رميت حقيبتي أرضا فحملها وتبعني صامتا، بكيت لأمي من فعلته، ستظن البنات أنه أبي، قالت، شو يعني. أصلا مبين إنه مش أبوك ويمكن موسى عند الله أحسن من أبهاتهن. كان موسى بعدما اشتري من الدكان يرافقني لنمر بالقرب من بيت فخم، نلطي بجانب سور، يراقب صاحب البيت الذي نراه بعض المرات يخرج إلى الجامع، يقول لي هذا الحج خضر رح يروح عالنار بكرا. كان يلاعبني لعبة متكررة، ينصب أهدافا من حجارة وكل مرة يسميها اسماء جديدة، مرة دول، ومرة حكام، ودائما كان الحج خضر حاضرا من بين تلك الأهداف. نكمن خلف صخرة، نصوب العصا على أنها بارودة، ونبدأ الطخ، ثم نهجم نضرب الحجارة، اضربيهم لقد ماتوا، نضرب حتى نسويهم بالأرض. تأخر ذات يوم وجاء مع العصر، سألته جدتي:وين كنت يامهبول بهالبرد، رد فرحا، مات خضر وأخرج من جيبه نظارة طبية، قال رحت عالعزا واعطوني نظارته، وضع موسى النظارة على عينه، مش شايف شي، ثم قال لي خذي البسيها، كانت كبيرة الحجم مقعرة،وضعتها على طرف أنفي، سألني: شو شايفه ياقُرة عيني ؟! قلت مش شايفة الدنيا بالمره.. وضع النظارة وانهال يهشمها بالعصا حتى سُحقت تماما وهو يكرر.. راح عالنار. يوم رحيلنا غاب موسى، وغابت بنا الدنيا في مكان لا يستطيع وصوله، لكنه لم يغادر ذاكرتي، حتى كبرت وعدت الي مكان سكنانا القديم لأسال عنه... قالوا لي مات حريقا وحيدا في غرفته و تعددت الروايات حول سبب موته أيضا... حتى اليوم، كلما رأيت شخصا يلوح بعصا.. تذكرت عصا موسى وخضر والأهداف التي كنا نقتلها في لعبتنا تلك. * قالوا لُقّب بموسى هرايس لأنه كان يعمل بائع هرايس، وقالوا كان يرفض الدعاء للنساء بالحمل إلا إذا اطعمنه حلوى الهريسه، وقالو أنه كان ينادي فجرا بصوت يطغى على صوت المؤذن " يا هريسه" ، خالتي شيخة تجزم أنه كان ينادي" يا زريفة ".. يقول الروائي المصري علاء خالد في روايته"خطوط الضعف" :"إن لكل منّا منطقة اضطهاد ينطلق منها".. والله أعلم
