د.عدلي قندح
لا يُمكِن لأحد أن يتجاهل مدى التأثير المدمّر الذي تُحدثه الحروب على القدرة العالمية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتفق عليها في العاصمة الفرنسية باريس في عام 2015. ومع الأسف، تكبُر الحروب تحت الأضواء بلا رحمة، تجلب معها فقدانًا وتدميراً وتلفاً هائلاً للموارد الإقتصادية. الحروب تُغيِّر مسار الأموال والطاقات وتحرف طريقها بشكلٍ كبير، حيث تُسلب أموال الدول وكفاءتها البشرية وتوجِّهها نحو الجوانب العسكرية القتالية المدمرة. هذا التحويل يُعيق جهود التنمية المستدامة التي تشمل الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة وتقديم برامج الرعاية الاجتماعية.
وعادة ما تنتهي الحروب بإعادة بناء المرافق الأساسية التي دُمرت كالطرق والجسور ومحطات الطاقة والمصانع، مما يجعل من الصعب الارتقاء بالممارسات المستدامة، لأنه ذلك يكون على حساب مشاريع التنمية الأخرى؛ فإعادة بناء البنية التحتية تؤدي إلى زيادة استهلاك الموارد وإضاعة الكثير من الفرص التنموية المستدامة.
وما يزيد في الجرم الذي تُحدثه الحروب تدمير البيئة وتلوث المياه والتربة وانبعاث الغازات الدفيئة، فهذه الآثار البيئية تُشكِّل عقبة كبيرة أمام تحقيق أهداف الاستدامة للدول. وعادة ما يترتب على الحروب تكاليف إنسانية هائلة تتمثل في نزوح السكان وفقدان أرواح ثمينة، ومعاناة إنسانية لا مثيل لها. فتأخذ هذه الأزمات الإنسانية توجيه الموارد بعيدًا عن معالجة قضايا عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تُعتبر أساسيّة للأستدامة.
بجانب ذلك، تُثير الحروب حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يُعيق الاستثمار في الصناعات المستدامة. وتؤخر الشركات غالبًا مشاريعها المستدامة بسبب عدم اليقين ومخاطر الخسائر المالية.
وقد يتعين تمويل الحروب عبر استدانة طويلة الأمد، وهذا من شأنه أن يحد من قدرة الدولة على تخصيص الأموال لمشاريع الاستدامة وغيرها من الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية.
على المستوى العالمي، تؤدي الحروب إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية والتجارة الدولية، مما يؤثر على توافر الموارد الحيوية وتسعيرها. وهذا يمكن أن يزيد من تعقيد جهود الاستدامة في أي بلد. علاوة على ذلك، غالبًا ما يتم توجيه الابتكار العلمي والتكنولوجي نحو التقدم العسكري في أوقات الصراع، ما قد يؤدي إلى تحويل المواهب والموارد بعيدًا عن التكنولوجيا والأبحاث المستدامة.
يتطلب التخفيف من تأثير الحرب على أهداف التنمية المستدامة إتباع نهج متعدد الأوجه يتضمن إستراتيجيات قصيرة المدى وطويلة المدى. ولا شك بأن الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة تأثير الحرب على الاستدامة هي منع الصراعات في المقام الأول. وهذا يشمل الجهود الدبلوماسية وحل النزاعات والتعاون الدولي. كما يمكن للدبلوماسية والمفاوضات أن تساعد في معالجة القضايا الأساسية التي تؤدي إلى الصراع على أن تكون الاطراف التي تقود الدبلوماسية محايدة وعادلة في طروحاتها. أما بعدما تنشأ الصراعات، فيمكن لجهود حفظ السلام الفعالة في الوقت المناسب أن تساعد في تقليل التأثير على الاستدامة. يجب أن يكون للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة دوراً حاسماً في التوسط في النزاعات والحفاظ على السلام. ويجب تقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من النزاع دون تأخير لتخفيف المعاناة والمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية، ويشمل ذلك، دون إبطاء، الغذاء والمياه النظيفة والمأوى والمساعدة الطبية.
أما بعد انتهاء الصراع، فيجب أن تبدأ جهود إعادة الإعمار والتنمية وأن تُعطى الأولوية للاستدامة. ويشمل ذلك إعادة بناء البنية الأساسية مع التركيز على التكنولوجيات الخضراء القادرة على الصمود، مثل الطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وممارسات البناء الصديقة للبيئة. ويجب الاسراع في معالجة الأضرار البيئية الناجمة عن الصراع، ويشمل ذلك تنظيف التلوث، وإستعادة النظم البيئية، وتنفيذ ممارسات الإستخدام المستدام للأراضي.
ومن المبادرات الواجب توفرها بعد انتهاء الصراعات تخفيف عبء الديون عن البلدان المتضررة بشدة من الصراعات، مما يسمح لها بتخصيص المزيد من الموارد لجهود إعادة الإعمار والاستدامة. ويجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والفني للبلدان المتضررة من الحرب لمساعدتها على إعادة البناء
علاوة على ذلك، على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والفني للبلدان المتضررة من الحرب لمساعدتها على إعادة البناء وتحقيق التنمية المستدامة، ويجب إعطاء الأولوية للتعليم والخدمات الاجتماعية للمساعدة في إعادة بناء المجتمعات؛ ويشمل ذلك الجهود المبذولة للحد من الفقر، وتحسين الرعاية الصحية، وتعزيز حصول الجميع على التعليم، وهي أمور أساسية للاستدامة.
ننهي بالقول، إن العدالة والإنصاف في حل الصراعات ليست ضرورات أخلاقية فحسب، بل هي أيضا ضرورات عملية لتحقيق السلام الدائم. فعند التدخل والتوسط لحل النزاعات يجب أن تتم العملية بطريقة عادلة ومنصفة فهذا من شأنه تقليل إحتمالية عودة المظالم والأعمال العدائية إلى الظهور، مما يمهد الطريق للمصالحة والاستقرار والازدهار.
الرأي