- زواج كبار السن هو رغبة في الاستمرارية الأسرية ووسيلة للبحث عما يمثله الدفء العائلي في مراحل متقدمة من الحياة.
- في بعض الحالات يكون زواج المسنين وسيلة لتنظيم الإرث وضمان انتقال الملكية إلى أشخاص معينين في العائلة.
- الثقافة الاجتماعية الذكورية السائدة متهمة بأنها متسامحة مع سعي الرجل الأرمل والمسن أكثر من النساء إلى زواج من جديد.
=====================
عمان- القلعه نيوز
بينما يسابق الشباب الأردني الزمن للزواج وتأسيس أسرة، بدأت ظاهرة زواج كبار السن تشق طريقها داخل المجتمع لتعكس تحولات اجتماعية وثقافية عدة في بلد يكافح بقوة انهيار مؤسسة الزواج وتراجعها، وعزوف الشباب أو عدم قدرتهم على الارتباط.
وأظهرت إحصاءات دائرة الأحوال المدنية في تقريرها السنوي لعام 2023 تسجيل 24 حالة زواج فوق سن الـ 85، ونحو 73 حالة فوق سن الـ 80، وحتى نهاية عام 2023 بلغت نسبة كبار السن الذين تخطت أعمارهم الـ 60 سنة حوالى 5.4 في المئة من إجمال سكان المملكة، أي ما يعادل 626750 ألف شخص.
مكانة اجتماعية أم رعاية
ويقول متخصصون إن زواج كبار السن هو رغبة في الاستمرارية الأسرية ووسيلة للبحث عما يمثله الدفء العائلي في مراحل متقدمة من الحياة، بخاصة في المجتمعات العربية التي تعتبر التواصل الاجتماعي مع الأسرة والأقارب أساساً للرفاه النفسي.
وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية هبة محمد أن ثمة من يبحث عن الحفاظ على المكانة الاجتماعية من المسنين من طريق الزواج ولو كان في عمر متقدم، وبخاصة الرجال، فهو يرى فيه نوعاً من التقدير والاستمرارية كقائد داخل العائلة.
وتضيف هبة أنه "في بعض الحالات يكون زواج المسنين وسيلة لتنظيم الإرث وضمان انتقال الملكية إلى أشخاص معينين في العائلة، كما أن من يكونون في سن متقدمة غالباً ما يكون لديهم استقلال مادي يُسهل عليهم اتخاذ قرار الزواج بصورة لا تتأثر بضغوط اقتصادية خارجية".
ولا يغفل المتخصصون الاجتماعيون عن الدوافع النفسية لهذا القرار الذي يعتبره بعضهم مستهجناً وغير مبرر، فقد يكون الزواج في هذا السن وسيلة للتغلب على الوحدة، ولا سيما بعد فقدان الشريك الأول والأصدقاء وابتعاد الأبناء، بينما يحتاج آخرون إلى من يرعاهم بصورة مستمرة مع تقدم العمر.
فيما يعتقد آخرون أن من بين مشكلات المسنين التحولات الاجتماعية التي طرأت على نظام الأسر وأنماطها، إذ تلاشت الأسر الممتدة التي كانت تعيش معاً ضمن مسكن واحد، وتقلصت لمصلحة الأسر التي تشمل الأبوين وأطفالهما فقط.
هل يتقبلهم المجتمع؟
تتهم الثقافة الاجتماعية الذكورية السائدة بأنها متسامحة مع سعي الرجل الأرمل والمسن إلى زواج جديد حتى بعد فترة قصيرة من وفاة زوجته، بينما تعيب الثقافة ذاتها على الأرملة أو المسنة الزواج حتى وإن سنحت لها الفرصة.
واستناداً إلى تقييم الإستراتيجية الوطنية الأردنية لكبار السن (2018 - 2022) فإن ثمة مؤشرات على أوضاع كبار السن في الأردن، بما في ذلك دور الزواج وقرارات الترمل وإعادة الزواج، مما دفع صانع القرار نحو وضع سياسات حماية اجتماعية تسهم في تحسين ظروف معيشة هذه الفئة.
ويعتقد مراقبون أن المجتمع الأردني بات أكثر تقبلاً ومرونة من السابق لزواج كبار السن، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء، ومع توافر حقوق قانونية تحمي المسنين في حال زواجهم، فإن الأمر لم يعد يشكل عائقاً.
ويقول هؤلاء إن الاعتراض يكون في الغالب على حالات زواج النساء المسنات، فثمة عوامل اقتصادية واجتماعية تلعب دوراً مهماً، فالأرامل من النساء قد يواجهن تحديات مالية أكبر بعد وفاة الزوج، بخاصة إذا كن يعتمدن على دخله، كما أن بعض الأرامل يواجهن ضغوطاً من الأسرة أو المجتمع بعدم الزواج مرة أخرى، حفاظاً على حقوقهن المالية أو كنوع من الحفاظ على صورة العائلة، بينما يتلقى الرجال دعماً للزواج مرة أخرى إذا كانوا في سن مناسبة، مما يجعلهم أقل عرضة للبقاء في حال ترمل لفترة طويلة.
وفي كثير من المجتمعات، بما فيها المجتمع الأردني، تظل المرأة غير متزوجة بعد وفاة زوجها لأسباب اجتماعية واقتصادية، بينما غالباً ما يتزوج الرجال مجدداً مما يسهم في بقاء نسبة الترمل بين الذكور منخفضة.
وأسهم ارتفاع متوسط العمر في حياة أطول للمسنين، مما جعل الزواج في سن متأخرة خياراً أكثر قابلية للحدوث مقارنة بالماضي، وحتى عام 2030 يتوقع أن تزيد نسبة المسنين في الأردن 15 في المئة من إجمال السكان، وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة.
وبلغ العمر المتوقع عند الميلاد في المملكة على المستوى الوطني 75.3 سنة (77 سنة للإناث في مقابل 73.8 سنة للذكور)، مما يعكس التقدم في القطاع الصحي الذي توليه الحكومات اهتماماً لافتاً، وكان له أثر إيجابي في خفض نسبة الوفيات وارتفاع العمر المتوقع.
الأرامل والزواج مجدداً
يؤكد المجلس الأعلى للسكان أن الرجال الأرامل في الأردن غالباً ما يكررون زواجهم، مما يجعل نسبة الترمل بينهم متدنية مقارنة بالنساء، ووفقاً للإحصاءات فإن أعداد النساء الأرامل تفوق الرجال، إذ تبلغ 27 في المئة من النساء في عمر الـ 50 سنة فأكثر، في مقابل ثلاثة في المئة فقط من الرجال في الفئة العمرية ذاتها.
وتتحدث الأرقام الرسمية عن تضاعف عدد سكان الأردن خلال أقل من 20 عاماً، فقد ارتفع بمقدار 6 ملايين شخص بين عامي 2004 و2024.
كما تشير دراسة للمجلس الأعلى للسكان إلى أنه لا وجود لتغيرات في حالات الارتباط في الأردن بصورة لافتة، وكان من أهم نتائج الدراسة التي جاءت بعنوان "الزواجية واتجاهاتها في الأردن للفترة 2010 - 2022"، تراجع نسب الزواج بين الأقارب، وتدني نسبة من هم مطلقين في الأعمار كافة ولدى الجنسين، فبلغت ستة في المئة في بعض الفئات العمرية عند النساء، وأقل من أربعة في المئة بين الفئات العمرية عند الرجال كافة.
أما بالنسبة إلى الأرامل فقد ظهر تباين كبير في نسب الأرامل بين الرجال والنساء، فبلغت نسب الأرامل الإناث 49 في المئة بعمر الـ 60 سنة فما فوق، بينما لم تتجاوز حاجز السبعة في المئة عند الذكور عام 2022.
وفي السياق ذاته يدعو متخصصون إلى الاهتمام بالصحة الجنسية للمسنين، ويرجع ذلك أساساً لأن المسوح الأسرية تقتصر على البالغين، ولا سيما النساء، بسبب وجود مفهوم خاطئ وشائع مفاده أن المسنين ليست لديهم رغبات جنسية أو فقدوا قدرتهم على الإنجاب.
عن - انديبندنت عربيه