شريط الأخبار
ماذا فعل المواطن العربي أحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يعامل هذه المعاملة ؟؟؟ معضلة سبينوزا واليهود: بين الخرافة الدينية والعقل النقدي الهميسات يسأل وزير الصحة حول أطباء غير مرخصين وضغوطات على النواب مدير الأمن العام يتابع اليوم التدريبي "عين الصقر" ويثني على كفاءة التشكيلات المشاركة "برعاية الرواشدة "... فعاليات مهرجان مسرح الرحالة تنطلق غدًا الثلاثاء مسؤول إيراني يتهم روسيا.."زودت إسرائيل بمعلومات عنا" تحولات غير متوقعة في ميزان الصحة المالية للأسر الأردنية بعد إعجابه بالعراقية مريم غريبة.. 4 فنانات عربيات في قصص مثيرة مع رونالدو 32 درجة في عمان.. انخفاض درجات الحرارة اليوم بمشاركة أمريكية.. مصر تستضيف أكبر مناورات في الشرق الأوسط انخفاض أسعار الذهب وارتفاع الدولار عالميا تدعم صحة القلب ومهمة للهضم.. إليكم أبرز فوائد "الألياف" ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجوافة؟ دراسة تحذر : نقص الماء في جسمك يهددك بمرض مقلق!! تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر .. ومدتها دقيقة واحدة اختتام دورة تدريبية إعلامية في الصين بمشاركة صحفيين أردنيين التعليم العالي: ترجيح إعلان نتائج القبول الموحد في الأسبوع الأخير من أيلول سقوط حمولة "تريلا" في منطقة الضبعة باتجاه عمّان البلقاء التطبيقية رائدة في التعليم التقني والتطبيقي «تيك توك» توكل الإشراف على المحتوى في بريطانيا للذكاء الاصطناعي

معضلة سبينوزا واليهود: بين الخرافة الدينية والعقل النقدي

معضلة سبينوزا واليهود: بين الخرافة الدينية والعقل النقدي
معضلة سبينوزا واليهود: بين الخرافة الدينية والعقل النقدي
القلعة نيوز ـ
منذ قرون طويلة ظل سؤال الخلاص عند اليهود مرتبطاً بعقيدة دينية متوارثة صاغها رجال الدين، تقوم على فكرة "الشعب المختار" و"أرض الميعاد". هذه العقيدة، المحملة بالخرافات والأساطير، صنعت وهماً جماعياً غذّى مشروعاً استعمارياً – إحلالياً لا يقوم إلا على سلب الآخر أرضه وحياته. في مواجهة هذا التيار، ظهر عقل نقدي مثل باروخ سبينوزا (1632-1677م)، الذي تجرأ على نقض الأسس الدينية التي استند إليها رجال الدين اليهود، فاتهموه بالهرطقة ولعنوه، لكنه فتح باباً واسعاً أمام الفلسفة الحديثة لإعادة التفكير في العلاقة بين الدين والسياسة.
أولاً: رجال الدين وصناعة الخرافة : اعتمد رجال الدين اليهود عبر العصور على مبدأ "الاستثناء الإلهي"، القائل بأن خلاص اليهود لا يتحقق إلا بالسيطرة على "أرض الميعاد". وقد تحولت هذه الفكرة إلى عقيدة سياسية واجتماعية تحكم الوعي الجمعي. يذكر التلمود: "اليهود هم وحدهم البشر، أما الشعوب الأخرى فليست سوى بهائم تسير على قدمين" (سنهدرين 57أ). مثل هذه النصوص، التي أعطاها رجال الدين قداسة مطلقة، غذّت نزعة عنصرية انعزالية، جعلت اليهود يرون وجودهم مرهوناً بإلغاء الآخر. لقد استُخدمت هذه النصوص لتبرير الهجرة، واغتصاب الأراضي، وإضفاء طابع مقدس على القتل والسلب. وعبر هذه العقائد تم تحويل اليهودي العادي إلى أداة طيّعة في يد المؤسسة الدينية، التي ربطت خلاصه الديني بتحقيق مشروع سياسي توسعي.
ثانياً: سبينوزا والعقل الناقد: في خضم هذا السياق، خرج سبينوزا بجرأة نادرة ليعلن أن كل ما ينسبه رجال الدين إلى موسى والأنبياء إنما هو تأويل بشري، ولا يحمل قداسة مطلقة. في كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة" كتب سبينوزا: "إن الخلاص لا يتحقق في أرض بعينها، وإنما في ممارسة العدالة والمحبة. ومن يربط الدين بأرض أو شعب مخصوص، إنما يحوّله إلى أداة للسيطرة والهيمنة" (الفصل الثالث). بهذا الموقف هدم سبينوزا الركيزة الأساسية للفكر الديني اليهودي التقليدي. ولذلك كان طبيعياً أن يلعنه مجلس الطائفة اليهودية في أمستردام عام 1656م بقرار "الحرمان" الشهير، الذي اعتبره ملعوناً "بنهار وليلاً، عند نومه ويقظته". لكن هذا "المطرود" من طائفته أصبح لاحقاً أحد أعمدة الفلسفة الأوروبية الحديثة، واحتفت به عقول التنوير مثل لايبنتز وهيغل، واعتبروه ممثلاً للفكر الحر.
ثالثاً: من الضحية إلى الجلاد: بعد قرون من الاضطهاد في أوروبا، وخاصة في زمن النازية، دفع اليهود ثمناً باهظاً بسبب عقيدة التفوق العرقي التي رفعها هتلر، والتي رأت في اليهود خطراً على نقاء "الجنس الآري". لكن المفارقة الكبرى أن الضحية سرعان ما أعادت إنتاج تجربة جلادها، فخرجت من أفران الغاز الأوروبية لتبحث عن "ضحية جديدة" في فلسطين. وكأن ما مارسه النازيون بالأمس، يمارسه الصهاينة اليوم، ولكن بغطاء "الخلاص الديني". لقد وصف المفكر الفرنسي جان بول سارتر هذه الظاهرة بدقة حين قال: "المضطَهد عندما يفشل في كسر قيوده، قد يتحول هو ذاته إلى مضطِهد جديد يبحث عن ضحية أخرى" (تأملات في المسألة اليهودية).

رابعاً: الخرافة تتحول إلى استعمار: حينما استحكمت الخرافة، تحولت إلى واقع سياسي ملموس. فمع بدايات القرن العشرين، تحالفت الصهيونية السياسية مع القوى الاستعمارية الغربية، لتصبح "الأسطورة الدينية" مشروعا استيطانياً يقتلع شعباً كاملاً من أرضه. لقد قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "المأساة أن اليهود، الذين تعرضوا لأبشع صور الاقتلاع والتشريد، صاروا يمارسون نفس الفعل ضد الفلسطينيين، وكأنهم لم يتعلموا شيئاً من تجربتهم المريرة مع النازية" (قضية فلسطين).
وهكذا، أصبح الفلسطينيون يدفعون ثمن خرافة لاهوتية صاغها رجال الدين منذ قرون، وأعادتها الصهيونية السياسية إلى الحياة.

خامساً: الثمن المضاعف: هذه العقيدة لم تظلم الفلسطينيين وحدهم، بل ظلمت اليهود أيضاً. فقد زرعت في عقولهم وهماً بالاستثناء والتفوق، وحولتهم إلى وقود دائم لصراع لا ينتهي.
الثمن مضاعف: أولا: اليهود أنفسهم: إذ يعيشون في قلق دائم، محاصرين بالخوف من الآخر، غير قادرين على الاندماج الطبيعي في محيط إنساني مشترك. ثانيا: الفلسطينيون: الذين سُلبوا أرضهم وحقوقهم وحياتهم باسم هذه العقيدة المنحرفة. إنها معضلة أخلاقية قبل أن تكون سياسية: كيف لشعب عانى قروناً من الاضطهاد أن يتحول إلى مضطِهد؟ وكيف تتحول الضحية إلى جلاد بمجرد أن تمسك بزمام القوة؟
سادساً: ما بين الخرافة والعقل: إن المعضلة الجوهرية تكمن في الصراع بين الخرافة التي يصنعها رجال الدين لتبرير السيطرة، والعقل الذي يدعو إلى العدالة والمساواة. لقد حاول سبينوزا أن يحرر اليهود من أسر هذه الخرافة، لكنه قوبل باللعن والإقصاء. واليوم، ما يزال العقل النقدي غريباً وسط هيمنة الخطاب الديني – السياسي الذي يشرعن الاحتلال والقتل. لكن التاريخ يعلمنا أن الظلم لا يدوم. فكما قاوم اليهود النازية، يقاوم الفلسطينيون الصهيونية. وكما سقطت أسطورة "الجنس الآري المتفوق"، ستسقط أسطورة "الشعب المختار".

في النهاية إن معضلة سبينوزا ما تزال قائمة: هل يمكن لليهود أن يتحرروا من أسر رجال الدين وخرافاتهم ليعيشوا كبشر عاديين بين البشر؟ أم أنهم سيبقون أسرى "عقيدة الخلاص" التي تجعل وجودهم مرهوناً بإلغاء الآخر؟ التاريخ يجيب بأن كل مشروع قائم على الخرافة والظلم لا بد أن ينهار، وأن الحق في النهاية يعود إلى أصحابه. فـ"أرض الميعاد" لا تصنعها الأساطير، بل تصنعها العدالة. الخطيئة خطيئة من ارتكبها، ولا يجوز أن يدفع شعب بريء ثمن خرافة زرعها رجال دين في عقول أتباعهم.
إبراهيم أبو حويله