
الأحداث..وجهة نظر اخرى.
القلعة نيوز ـ
ما حدث من وجهة نظر أخرى، أراه لحظة فارقة في الصراع مع الكيان، وهذا اليمين المتطرف تحديدًا، ومن يدعمه في الغرب. متى وصل المحتل إلى درجة يسعى فيها للضغط على المقاومة بكل السبل في سبيل أن تعلن استسلامها، فهو قد أعلن حقيقة أن صبره نفد. كل الوسائل التي انتهجها الكيان في سبيل إخضاع غزة ومقاومتها اصطدمت بجدار صلب يرفض التراجع عن ثوابته مهما كانت خسارته.
تاريخيًا، الأحداث تتشابه وتتكرر، وعندما وصل الاحتلال الفرنسي إلى نقطة اللاعودة في التعامل مع المقاومة، وكانت سياسته: "استعمل كل البطش والعنف الذي يمكنك أن تستعمله، واقتل كل من تصل إليه يدك"، كما يقول العقيد الفرنسي في فترة الاحتلال ديمونتنياك، "ألقِهم من الطائرات في المحيط وهم مثقلون بمكعبات إسمنتية، أحرق قراهم ومحاصيلهم، نكّل بكل مقاوم وعالم حتى تقتل هذه الروح". هل يذكّرك هذا بالصورة النمطية للمحتل، عندما يفقد حكمته وصبره؟ استعمل الإنجليز سياسة الأرض المحروقة في الهند والصين، وتسببوا بمجازر سجلها التاريخ: السيبوي، جاليانوالاباغ، نايبينغ، وعملوا على تجويع الشعوب. مات حسب بعض الإحصاءات أكثر من ثلاثين مليون إنسان على يد الإنجليز في مجاعات متكررة منذ 1770 في البنغال وحتى القرن العشرين : البنغال، أوريسا، الدكن، ومجاعة الهند الكبرى. وتشرشل يرفض إرسال الحبوب إلى الهند لأنهم "يتكاثرون كالأرانب"، بل فرض الضرائب والرسوم الباهظة على زراعة المنتجات الغذائية، وشجع زراعة القطن والأفيون. أظن أني أرى تشابهًا غريبًا هنا. إذن ليس كل تصعيد رد فعل على المقاومة، ولا يعطي مؤشرًا على قوة المحتل، ولكن قد يكون مؤشرًا قويًا على نفاد صبره ووصوله إلى مراحل نهائية.
الصمود ثم الصمود ثم الصمود... بعدها انفـرج الوضع بالنسبة للجزائر. ما كان سيناريو يعطي المحتل أفضلية ومناطق واسعة، وصل إلى مرحلة التحرر التام، وهذا ما حدث في الهند والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا. التاريخ مليء بالأمثلة. عندما لجأ المحتل إلى أقصى درجات العنف انهار أمام ثبات المقاومة على أرضها وبين شعبها. هذه الهستيريا العسكرية، هي –بنظري– علامة على وصول الاحتلال إلى مؤشرات خطيرة، وهنا أستحضر الأزمات التي يعيشها الكيان بسبب غزة وصمودها، وسعيه لإنهاء هذا الملف بالضربة القاضية كما كان يسعى دائمًا. ولكن هذه الضربات المتتالية، والسعي الحثيث للوصول إلى النهاية، أتعب المحتل فبدأ يسعى للوصول إلى حلول، حتى لو كانت مرفوضة على كل المستويات، وهو يغرق يوميًا في هذا المستنقع الذي تمنّى قادته سابقًا أن تبتلعه البحر، ولكن يبدو أن غزة قدر قدّره الله لأمر عظيم.
اليوم هناك أزمة بين الجيش وقائده زامير وبين القيادة السياسية في الكيان. وقد وعد الأخير بإنهاء غزة والقضاء عليها. والقيادة السياسية منقسمة، وهناك أصوات لا تهمها الحرب ونهايتها بقدر ما تهتم بالأمور السياسية والاقتصادية والعالمية. وجبهان بدأت تحارب الكيان على كل الأصعدة. وهناك أسطول يكبر، وعداء عالمي يزداد بوتيرة لم يعهدها قادة الكيان وشعبه يومًا، وملامح حصار ومقاطعة من دول كانت داعمة وبقوة. وهناك إسبانيا وإيرلندا وأمريكا الجنوبية، حتى بعض المواقف الخافتة من ساسة في ألمانيا وبريطانيا، رغم الدعم العسكري والمشاركة الكاملة لهما ولأمريكا لهذا الكيان في جرائمه. هنا، هل وجدت قيادة الكيان أنهم يغرقون يومًا بعد يوم، وإن لم ينهوا ملف غزة الآن، اليوم قبل غد، وقبل نهاية هذا الأسبوع أو الذي يليه، كما يغرد ترامب، فإن غزة قد تغرق الكيان قبل أن تغرق؟
برغم كل الألم، وهذه الحالة العربية الضعيفة والهزيلة، وبرغم كل هذه التضحيات، أجد نفسي أحمل أملًا بأن هناك ضوءًا في نهاية النفق، الذي يقترب يومًا بعد يوم، وأجده اليوم قريبًا قريبًا. وكيف إذا كان هناك رب قريب، جعل مع العسر يسرين، وجعل مع الصبر فرجًا قريبًا.
إبراهيم أبو حويله...