
المهندس سمير الحباشنة / وزير اسبق
أجمعت كلمات القادة العرب والمسلمين في قمة الدوحة على الوقوف إلى جانب قطر، وإلى جانب غزة والضفة الغربية، والتمسك بأدبيات القرارات الدولية وعلى رأسها مبدأ حلّ الدولتين.
والحقيقة أننا استمعنا في هذه القمة إلى كلماتٍ قوية تدعو صراحة إلى عمل عربي عملي بعيد عن الشجب والاستنكار، مثل كلمة الملك عبدالله الثاني حين طالب القمة بـ«موقف واضح وحاسم ورادع»، وكلمة الرئيس المصري الذي قال: «علينا أن نكون على قلب رجل واحد قولًا وفعلاً». كما جاء في بيان دول الخليج العربي تعزيز للسياسة الدفاعية.
وأسأل أمام ذلك: هل تبقى الحالة العربية تجاه هذا العدوان الشرس الوحشي الذي يستهدف العرب في كل بقاعهم — في الزمان والمكان الذي يقرّره العدو كما يقول قادته — بل وبتهدُّد صارخ وازدراء للقمة ولقراراتها، واستخفاف بالقادة العرب والمسلمين؟ حتى إن أبواقًا إعلامية صهيونية انطلقت إبان انعقاد القمة في الدوحة لتقول للقادة: «وأنتم مجتمعون سوف نضرب غزة وسوريا واليمن، لنرى ماذا أنتم فاعلون يا عرب؟!»
من المناسب — وبعد انتهاء قمة الدوحة — أن نذكّر بإعلان شرم الشيخ التاريخي الذي صدر عن القمة العربية التي عُقدت في شرم الشيخ عام 2015، وهذا نصُّه:
«تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا، ولصيانة الأمن القومي العربي والدفاع عن أمننا ومستقبلنا المشترك وطموحات شعوبنا وفقًا لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والشرعية الدولية، وهو ما يتطلب التشاور بيننا من خلال آليات الجامعة تنفيذًا للقرار الصادر عن هذه القمة.»
وأعتقد أن هذا هو وقت اتخاذ خطواتٍ عملية جادة في هذا الاتجاه، وترجمة إعلان قمة شرم الشيخ على أرض الواقع. ألم يحن وقت تحقق الإرادة العربية في الدفاع عن النفس؟! ألم يحن الوقت لعمل عربي دفاعي مشترك؟!
إنه الوقت الذي لا مجال فيه للاعتماد على الغير أو على المجتمع الدولي؛ فالعامل الذاتي هو الأساس. وإذا لم تجد دولةُ الاحتلال قوةً حقيقيةً رادعة، فلن توقف عدوانها حتى لو شتمها العالم والمجتمع الدولي صباحًا ومساءً. وهذا ما يحدث اليوم: فهل أوقف ذلك الهجومَ على غزة ولو لحظة؟ هل أخّر قتل طفلٍ فلسطيني واحدًا؟
يقول قائل إن التحالف مع الولايات المتحدة يمنع قيام أي تنسيق عربي. والسؤال: هل يعني التحالف مع الولايات المتحدة الاستسلام للمشروع الصهيوني؟!
أعرف من أبجديات العلاقات الدولية أن في التحالف قوةً — وليس في التحالف هوانٌ واستسلام. إنه قول عجيب يجانب الحقيقة والواقع؛ فإسرائيل بالمقابل هي الحليف الأكبر والأهم للولايات المتحدة، وما كانت لتستمر بعدوانها، بل وبوجودها أيضًا، لولا الدعم الأمريكي. ومع ذلك أعلن نتنياهو بالأمس في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي أنه يتّخذ قراراته بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، وآخرها إعلانه أن عملية الاعتداء على قطر تمت دون إبلاغ واشنطن.
إذاً فالتحالف مع الولايات المتحدة أو مع غيرها لا يعني أن العرب عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم.
وبعد..مطلوب اليوم قبل الغد إعادة تشكيل مجلس الدفاع العربي المشترك، وتشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة، والتنسيق الفعلي بين الجيوش العربية، والتسليح على نحو قوي، وتوفير المال اللازم لكل هذا. فالعرب يمتلكون كل المقومات المادية والمعنوية للدفاع عن أنفسهم وحماية أوطانهم، بل وإجبار العدو الغاصب على الالتزام بالإرادة الدولية والاستجابة لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وأخيرًا.. أرجو من قادتنا، وأناشدهم، ألا يُسجّلوا على هذا الجيل العربي أنه جيل جبان فرّط بمكانته بين الأمم وترك عدوًا مسخًا يستبيح الأرض والعِرض ولم يُحرّك ساكنًا.
والله، ومصلحة العرب من وراء القصد.
«كل الشكر للصحفي العربي المصري الأستاذ فتحي خطاب الذي زوّدني بمنطوق ذلك الإعلان».