
المهندس محمد الحواتمة
إذا كانت القيادة تمثل البوصلة والحكومة الأداة التنفيذية فإن الشعب الأردني هو القلب الذي يمنح كل هذه المعادلة معناها وبعد بوادر انتهاء الحرب على غزة يقف الأردن أمام مرحلة جديدة تتطلب صبراً واستعداداً للتحديات المقبلة لكنها تحمل فرصة لإعادة بناء الذات الوطنية على أسس أكثر صلابة الأردنيون بوعيهم وصمودهم قادرون على أن يحولوا هذه المرحلة إلى نقطة انطلاق جديدة بشرط أن يجدوا حكومة تستمع لهم وتستثمر طاقتهم وتمنحهم ما يستحقون من عدالة وكرامة وتوفير الفرص ، إذا كانت القيادة قد أثبتت حضورها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس فإن مسؤولية الحكومة الأردنية اليوم تتضاعف مع بوادر انتهاء الحرب على غزة ، فالحرب لم تكن مجرد حدث عابر في جغرافيا ضيقة بل زلزال سياسي وأمني واقتصادي سيترك آثاره العميقة على المنطقة كلها والأردن في القلب من هذه التحولات .
المواطن الأردني الذي تابع مشاهد غزة لحظة بلحظة وخرج نصرة لفلسطين وتبرع بالمال والدم لهم ، لم يعد يكتفي بالمواقف المشرفة للقيادة بل بات يتطلع إلى أن تترجم الحكومة هذه المواقف إلى سياسات داخلية تنعكس على حياته اليومية فالمعادلة أصبحت واضحة إذا كانت القيادة تصون المبادئ وتدافع عن الثوابت فإن الحكومة مطالبة بأن تصون العيش الكريم وتدافع عن مصالح المواطنين
ومن بين أعمدة الحكومة الأردنية يبرز رئيس الوزراء جعفر حسان كشخصية استثنائية ، ليس فقط بحركته الدؤوبة واهتمامه بكل شاردة وواردة ، بل بقدرة نادرة على أن يكون قريباً من نبض الشعب في كل زاوية من زوايا الوطن ، من القرى الصغيرة إلى المدن الكبيرة ، حيث تظهر زياراته المتكررة وحرصه على التواجد الميداني والتزامه الحقيقي بمسؤولياته ، ويشعر كل مواطن بيده على الواقع وبأن صوته مسموع ، فهو قائد لا يكتفي بالكلام ولا بالاجتماعات المغلقة ، بل يعيش تفاصيل حياة الأردنيين ويشاركهم همومهم ويستمع إلى آمالهم ، وأنا شخصياً أرى فيه أمل المرحلة المقبلة ، وأثق بقدرته على تحويل الطاقات الوطنية إلى قوة فاعلة لإعادة الثقة ، وتحويل التحديات إلى فرص ، وصناعة مستقبل مشرق للأردن ، فوجوده على الأرض رسالة واضحة أن الحكومة ليست بعيدة عن الناس وأن قيادتها قادرة على الملامسة الحقيقية للواقع بكل صدق ووعي .
الحرب أظهرت هشاشة الاقتصاد الإقليمي وأثرت في حركة التجارة والمعابر وأسعار الطاقة بل فتحت باباً واسعاً أمام احتمالات الركود والغلاء وهنا يبرز السؤال هل تستطيع الحكومة الأردنية تحويل هذه الأزمة إلى فرصة ، الجواب يكمن في الجرأة على اتخاذ قرارات حقيقية لا تكتفي بالحلول المؤقتة يجب أن تتحرك الحكومة في ثلاثة اتجاهات متوازية دعم الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد بحيث تصبح الصناعات والزراعات الأردنية أكثر قدرة على سد احتياجات السوق المحلية وفتح أسواق جديدة عبر تعزيز العلاقات التجارية مع دول لم تتأثر مباشرة بالحرب ما يوسع دائرة التصدير ويجذب عملات صعبة وجذب الاستثمارات عبر تقديم حوافز عملية وتبسيط الإجراءات بحيث يشعر المستثمر أن الأردن بيئة آمنة ومستقرة في زمن تتقلب فيه المنطقة .
ونضيف أيضا انه لا يمكن لأي حكومة أن تزعم النجاح إذا لم تعالج البطالة خاصة بين الشباب الذين يشكلون أغلبية المجتمع ، هؤلاء الشباب الذين يفدون الأردن وقيادته ويهتفون لفلسطين في الساحات هم أنفسهم الذين يبحثون عن فرصة عمل تحفظ كرامتهم ، الحلول موجودة لكنها تحتاج إلى إرادة ونذكر منها : تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وربط الجامعات بسوق العمل ودعم التدريب المهني والتقني واستثمار طاقات الشباب في المبادرات الريادية بدلاً من هدرها في الانتظار بعد حرب غزة أصبح ملف المياه والطاقة أكثر خطورة فالمنطقة كلها مهددة بندرة الموارد وتذبذب إمدادات الطاقة ، وعلى الحكومة أن تعتبر هذا الملف قضية وجودية من خلال الاستثمار في تحلية المياه والطاقة المتجددة وتطوير شبكات النقل والمواصلات لتقليل فاتورة الطاقة وتعزيز التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لضمان مصادر آمنة .
المواطن الأردني وهو يرى كيف دفعت غزة ثمن الفساد والخذلان لم يعد يقبل أن يعيش في بلد يُدار بعقلية التسويف أو المحاباة لا أحد فوق القانون ، فيجب أن تتحول الشفافية من شعار إلى ممارسة حقيقية وفتح قنوات حوار مع الشعب ليست ترفاً سياسياً بل ضرورة لتعزيز الثقة في زمن الأزمات الحكومة مطالبة بأن تكون حاضرة في كل بيت أردني بمبادرات ملموسة تؤثر في حياة المواطن اليومية لا في البيانات الرسمية فقط، بل في المعاش والكرامة والتعليم والخدمات العامة .
بوادر انتهاء الحرب على غزة تفرض على الأردن أن يكون أكثر جاهزية وأكثر وحدة المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة والأردن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد أساسه الشراكة بين القيادة والشعب والحكومة القيادة توفر البوصلة والرؤية الحكومة تدير الملفات بجرأة وكفاءة والشعب يصمد ويشارك ويقدم التضحيات ، بهذا الثالوث يمكن للأردن أن يخرج من الأزمة أقوى مما كان وأن يحوّل التحديات إلى فرص ، أما إذا بقي الأداء الحكومي بطيئاً أو ظل بعيداً عن نبض الشارع فإن الأردن سيجد نفسه في مواجهة ضغوط داخلية لا تقل خطورة عن التحديات الإقليمية .
الشعب الأردني أثبت خلال هذه الفترة أنه أكثر من مجرد متفرج على الأحداث فوعيهم وصمودهم وإصرارهم على الحق أعطى القوة للقيادة لتحمل تبعات موقفها في الدفاع عن فلسطين وهم الآن يمثلون الدعامة الأساسية التي ستساعد الأردن على تجاوز تداعيات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية . فالتحديات ليست أقل من صمود غزة نفسها فالشارع الأردني يراقب ويشارك ويحاسب ويرفض أي إهمال لمستقبله وأي تقاعس في توفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي .
في المقابل ، القيادة الهاشمية لم تتوقف عن العمل على المستوى الإقليمي والدولي لضمان حماية مصالح الأردن ودعم القضية الفلسطينية فتجدد المواقف والمبادرات بعد حرب غزة أكدت أن الأردن يمتلك رؤية واضحة وثابتة قائمة على التوازن بين الدفاع عن الثوابت الوطنية والمصالح الاستراتيجية للأمة . القيادة قدمت مثالاً للالتزام بالمبادئ في الوقت الذي تلاعبت فيه القوى الإقليمية بسياسات مصالحها أو تأخرت عن حماية القيم الإنسانية .
الأردن اليوم يقف أمام فرصة تاريخية لإعادة ترسيخ قوته الداخلية وتوحيد صفوفه لمواجهة أي تحديات مستقبلية فالحرب كشفت مواطن القوة والضعف سواء في الأداء الحكومي أو في قدرة المؤسسات على الاستجابة للظروف الطارئة كما أظهرت حجم الطاقات الشبابية القادرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح وهذه الطاقات أصبحت الآن أكثر وعياً وأكثر تصميماً على المشاركة الفعالة في بناء مستقبل الأردن .
المرحلة المقبلة بعد حرب غزة تتطلب التركيز على إعادة الثقة بين الشعب والحكومة من خلال خطوات عملية وقابلة للقياس الاستثمار في الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل حقيقية وتحسين جودة الخدمات العامة والحفاظ على موارد المياه والطاقة بشكل استراتيجي يجب أن تكون هذه الخطوات مدعومة بإرادة سياسية حقيقية تشعر المواطن ، بأن كل مؤسسات الدولة تعمل لمصلحته وأن لا أحد فوق القانون وأن التحديات التي واجهت الأردن خلال الحرب قد خلقت فرصاً لإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز النمو الداخلي .
الأردنيون سيظلون صامدين ومتكاتفين مع قيادتهم ، الشعب جزء لا يتجزأ من قوة الدولة وثباتها ووعيهم السياسي والاجتماعي أصبح من أبرز عوامل القوة الوطنية فالطريق إلى المستقبل لن يكون سهلاً لكن إرادة الأردنيين والتزام القيادة وتكاتف الحكومة يمكن أن يخلق تحولاً نوعياً يجعل من المملكة الأردنية الهاشمية نموذجاً للصمود والتحدي في وجه الأزمات الإقليمية والاقتصادية والاجتماعية .
و في الختام ، الأردن بقيت قلعة صامدة تعلو فوق سحائب التحديات بقيادة حكيمة وإرادة شعبية لا تعرف اليأس من رحم الأزمات ومن آثار الحروب والضغوط سيولد فجر جديد يحمل الأمل والرخاء ويؤكد أن الأردن سيظل قلب الأمة وواحة أمن وأمان تحت راية قيادته التي لا تتردد في التضحية من أجل العزة والكرامة .