
مجنون يملك السلطة قد يحدث دمارًا هائلاً في هذا العالم...
القلعة نيوز ـ
القادة عندما يملكون رؤية أو يكونون أبناء النجوم كما يقول سكان أمريكا الأصليون، وذلك لأنهم يملكون مواهب استثنائية وقدرات خارقة، فإمّا أن يقودوا قومهم للسيطرة والهيمنة كما فعل جنكيز خان أو يقودوهم للهلاك كما فعل حنبعل، ولكن كم منهم يقودهم للمجد؟ من جنكيز خان، القائد المغولي الذي أسّس إمبراطورية شاسعة من خلال قوته العسكرية التي اعتمدت على عدد سكان أقل من مليونين من البشر فقط؛ لنعرف أثر الفاعلية والحنكة السياسية، إلى حنبعل القائد القرطاجي الذي قاد جيشه عبر جبال الألب لملاقاة الرومان، غلبهم في عقر دارهم نعم، ولكن في النهاية فشل في تحقيق النصر النهائي. هؤلاء القادة يمتلكون رؤى استراتيجية وقدرات قيادية استثنائية، ولكن نتائج قيادتهم كانت متفاوتة.
القيادة نحو المجد تتطلب مزيجًا من الرؤية الواضحة، والحكمة، والقدرة على التكيّف مع التحديات. القادة الذين استطاعوا تحقيق المجد غالبًا ما كانوا قادرين على وضع رؤية استراتيجية واضحة وتوجيه الأمة نحو هدف مشترك، واتخاذ قرارات حكيمة تحقق التوازن بين القوة والرحمة، بين التوسع والحفاظ على الاستقرار. وكان لديهم القدرة على التكيّف مع الظروف المتغيرة والاستجابة السريعة للتحديات الداخلية والخارجية، والقدرة على اتخاذ القرار السليم تبدو وصفة لتحقيق المجد بصورة ما.
لكن مجنون واحد قد يدخل العالم في نفق مظلم ويحدث دمارًا هائلاً، وما قصة نيرون ولا جنكيز خان، وطبعا هنا نتكلّم عن الذين وقع عليهم الفعل بسبب الأخير، ولا تيمورلنك الذي قيل إنه قتل حوالي ملايين من البشر، وأدخل السلطنة العثمانية في هزيمة أسر فيها بايزيد الأول وسبب لها اضطرابًا وقلقًا. ولا إيفان الرهيب في روسيا، ولا هتل ر، ولا النتن ياهو، إلا صورةً ممّا قد يحدث عندما تجتمع السلطة والجنون، سواء كان جنون عظمة أو شخصية مصابة بعطب نفسي ما.
لكن لماذا مجنون واحد يُحدث دمارًا هائلًا؟ عندما تتركز السلطة في يد فئة وتغيب أو تُغيب الرقابة، وعندما تقود الانفعالات والتسرّع وضعف الحكمة والخبرة في القرارات، عندها تحدث الأخطاء القاتلة، وعندها يبدأ المجتمع بالتفكك، وتحدث الشروخ، ومن السهل الدخول في أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أو كل ذلك معًا كما حدث في أوكرانيا، وبدأت ملامح الضياع تسيطر على كل شيء تقريبًا: اقتصاد، خسائر فادحة في القوى البشرية وصلت إلى حوالي المليون، وخسارة على الأرض وفيها.
نعم، تُشْفَع الانتصارات والثروات حتى لأكثر القادة انحرافًا في التاريخ — هل هذا ما حدث مع هتل ر وستالين والنتن ياهو؟ لكن هناك شيء في البشر لا يموت في البعض وإن مات في المعظم، وهنا تبدأ الضمائر الحية بالتساؤل، أو "الروح العالمية” كما يقول هيجل، وفي ظل وضع عالمي يشكل قرية كبيرة، تصبح قضية الأخلاق والضمائر والإنسانية مزعجة حتى لقادة مثل ترامب أو بوتين أو النتن ياهو، ولكن يبقى الخوف من الانجرار إلى فقد السيطرة واردًا بقوة هنا؛ قادة أوروبا أضعف من الانتصار في حرب ضد روسيا، هذا إن افترضنا أن من خلف روسيا لن يتدخل، وهذا أمر لا يراهن عليه أحد، وحتى لو تدخلت أمريكا — وهي فعلًا متدخلة — فهل هذا يضمن عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة؟ يقف العالم مترقبًا بشكل يخيم عليه السوداوية، فمن يملك القرار قادر على تجاوز الخطوط الحمراء والوقوع في المحظور، وهؤلاء القادة وصلوا فعلاً إلى السلطة المطلقة وتجاوز الرقابة وحتى القبول لتصرفاتهم رغم ما فيها من قبل شعوبهم.
فهناك أعداء خارجيون، وهناك تحدٍ وجودي، وهناك خوف يسيطر على الكثيرين، فلا غرابة أن سكان الكيان مجمعون تقريبًا على القضاء على الوجود الفلسطيني على هذه الأرض الفلسطينية؛ فهم يدركون تمامًا بأن التاريخ والأرض والبُعد الديموغرافي في المنطقة يعمل ضدّهم، ولكن أيضًا هناك بعد أيدولوجي ديني قائم على القضاء الآخر حسب النصوص الدينية التي تربّوا عليها. فهذا شمشون دمر المعبد على رأسه ورؤوس الفلسطينيين ليقضي على آلاف منهم؛ فهي سردية بطولية في عقلهم الجمعي والديني. وهنا في ظل الصراعات والخوف على النفس والخطر الوجودي تستدعي العقول خرافاتها وتسعى لخلاصها بحسب عقائد رجال الدين فيها، وهنا أرى أن رجال الدين المتطرفين من اليه ود هم السبب في معاناتهم وانعزالهم وعذاباتهم، وهم من سيقضي عليهم في نهاية الأمر.
ونعود إلى الشعوب التي مارست الظلم ودافعت عنه، كيف دفعت هذه الشعوب بكليتها وعقلها الجمعي وجميع مواطنيها ثمن الظلم الذي وقع منهم، من كان ساكتًا ومن ساهم به. وليس أدلّ على ذلك مما حدث مع ألمانيا الهتلرية. وهنا: هل تستطيع الأخلاق أن تُوقف هذه الحتمية كما يقول هيجل؟ وهل التاريخ حتمي التكرار والحدوث، أم يتأثر بأفعال البشر؟ وهنا تقف ظروف تراها قسرية، كما يقول هيجل: روحٌ عالمية، اراها من خلال مجموعة ظروف تساهم بمجموعة من الأحداث والشخصيات والقوى والشعوب، والحب والكراهية، وحتى التطور العلمي والتكنولوجيا أو التطور في الوسائل الحربية أو حتى الأمراض في صناعة ظروف تساهم بحدث معين. فتظهر شعوب وتختفي أخرى تمامًا مثل ما حدث مع قرطاج والمغول والرومان وغيرهم؛ الأحداث اليوم توحي بالكثير من كل هذا.
في ظل كل هذه الظروف هناك فئات لا تخضع لعقلية القطيع، مثل – National Endowment for Democracy (NED)، European Digital Media Observatory (EDMO)، والعديد من المنظمات الإعلامية والحقوقية والدولية، ولا تنصاع للتخويف والإرهاب والخرافة، وتجد ان ما تقوم به أمريكا وأوربا والكيان قد يأخذ العالم إلى ظروف مشابهة لما حدث في الحربين العالميتين، ولذلك تحاول بكل السبل إيقاف هذا التيار الجارف الداعي إلى الحرب كوسيلة للتفاهم بين الشعوب والقارات، وتحدي تلك الفئة التي تسعى إلى فرض الهيمنة من خلال القوة والحروب، فهل تنجح؟
إبراهيم ابو حويله .