
د. مرام بني مصطفى
تُعدّ الحياة الجامعية من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في مسيرته التعليمية والشخصية، إذ تمثل مرحلة انتقالية محورية من الحياة المدرسية الموجّهة إلى عالم جديد يقوم على الاستقلالية، وتحمل المسؤولية، واتخاذ القرار. فهي ليست مجرد انتقال مكاني أو تنظيمي، بل هي تجربة إنسانية متكاملة تفتح أمام الطالب آفاقًا واسعة للنمو والتطور.
في هذه المرحلة، يبدأ الطالب بالاعتماد على ذاته في شؤون حياته اليومية والأكاديمية، ويتعلم كيفية إدارة وقته، وتنظيم جهوده، واتخاذ قراراته بنفسه حتى في أبسط الأمور. كما يواجه مجموعة من التجارب الجديدة والتحديات المختلفة التي تسهم في تشكيل شخصيته المستقبلية وبناء هويته الفردية والاجتماعية.
من أبرز ملامح الحياة الجامعية التعمق الأكاديمي، حيث يتخصص الطلبة في مجالات دراستهم سواء في الكليات العلمية أو الإنسانية، ويشاركون في بحوث أكاديمية ومناقشات فكرية مع أساتذتهم وزملائهم، ما يعزز مهارات التفكير النقدي والتحليل العلمي لديهم. وتوفر الجامعات مرافق متنوعة مثل المكتبات والمختبرات ومراكز الدعم الأكاديمي، والتي تساهم بدورها في إثراء التجربة التعليمية.
ولا تقتصر الحياة الجامعية على الجانب الأكاديمي فقط، بل تشمل أيضًا الانخراط في الأنشطة والفعاليات المتنوعة التي تقدمها الجامعات، من أندية ثقافية ورياضية إلى أنشطة فنية واجتماعية. فهذه الفعاليات تتيح للطلبة فرصًا لتطوير مهاراتهم القيادية والاجتماعية، وتكوين صداقات جديدة، وبناء شبكة من العلاقات التي قد تستمر مدى الحياة.
بالنسبة لكثير من الطلبة، تمثل هذه المرحلة أول تجربة للعيش باستقلالية بعيدًا عن الأسرة، خصوصًا لمن يختارون السكن الجامعي بسبب بُعد المسافات. فيتعلمون كيفية الاهتمام بأنفسهم، وتنظيم شؤونهم الحياتية، وإدارة وقتهم بفعالية. ومن جهة أخرى، قد يواجه بعضهم صعوبات في التكيف الاجتماعي والنفسي نتيجة الضغوط الأكاديمية أو الاجتماعية، مما يجعل من الضروري توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على تخطي هذه التحديات.
كما يبدأ العديد من الطلبة خلال سنواتهم الجامعية في التفكير الجاد بمستقبلهم المهني، والتخطيط لحياتهم العملية بعد التخرج. وقد يتحمل بعضهم أعباء مالية إضافية، الأمر الذي يعزز إحساسهم بالمسؤولية ويقوي مهاراتهم في إدارة الموارد واتخاذ القرارات المستقبلية.
ويمثل استقبال الطلبة الجدد في الجامعات مرحلة أساسية في تجربتهم الجامعية، إذ تُنظم الجامعات برامج تعريفية تهدف إلى تسهيل اندماجهم وتعزيز شعورهم بالانتماء للمجتمع الجامعي. وتشمل هذه البرامج التوجيه الأكاديمي لفهم نظام الدراسة والتخصصات، والأنشطة الاجتماعية التي تربط الطلبة الجدد بالقدامى، والجولات التعريفية بالمرافق الجامعية، إضافة إلى ورش العمل والدورات التعليمية التي تدعم مسيرتهم الأكاديمية من البداية.
إن الحياة الجامعية ليست مجرد فترة زمنية عابرة، بل هي تجربة غنية تُشكّل جزءًا أساسيًا من بناء الإنسان علميًا، ونفسيًا، واجتماعيًا. فهي تتيح للطالب الفرصة لاكتشاف ذاته، وتوسيع مداركه، وصقل مهاراته، ووضع أسس مستقبله المهني والاجتماعي. لذا، فإن استثمار هذه المرحلة بالشكل الأمثل يسهم في بناء جيل واعٍ، مؤهل، وقادر على المساهمة الفاعلة في تطوير المجتمع وبناء الوطن.