
حسين الرواشدة
عمداً، أُسقطت القضية الفلسطينية من قمة شرم الشيخ ، البيان الذي تم التوقيع عليه لا يشير إلى أي حق للفلسطينيين في إقامة الدولة ، على العكس، تماماً، لقد تم إعلان دفن القضية ، وتم اختزال تاريخ الفلسطينيين في عامين فقط ؛ العنوان غزة المدمرة ، ووصفة الحل ورشة دولية لاعمارها بمواصفات ترامب ، وبتمويل أغلبه من العالم العربي والإسلامي، لا حديث عن افق سياسي ، قضية الفلسطينيين أصبحت إنسانية فقط ، الثمن المطلوب هو التطبيع مع إسرائيل تحت لافتة" سلام " اقتصادي يضع المنطقة تحت الوصاية الإسرائيلية.
الأردن ، على ما يبدو ، يعرف ما فوق الطاولة وما تحتها ، يفك الخطوط المتشابكة ، ويقرأ ما بين السطور ،،حركة الشياطين في تفاصيل الخطة ، والمنطقة أمام مرحلة غامضة ومظلمة ، الأفق مسدود تماماً، هذا يستدعي، أردنياً، التفكير بخيارات تضمن النجاة، لقد دفعنا في العاملين المنصرفين أثماناً سياسية باهظة سجلناها في دفتر التاريخ ، لكن هذا لا يكفي ، مستقبل الأردن وحماية وجوده ومصالحه هي الأولوية التي يجب أن نضعها أمامنا، لا يوجد دولة تربط مصيرها بأي قضية خارج حدودها إلا في سياق الدفاع عن نفسها ، هذا يحتاج إلى إعادة تعريف مصالحنا العليا ، وترسيم علاقتنا مع القضية الفلسطينية وفق الواقع الجديد.
إعادة ترسيم العلاقة بين الأردن والقضية الفلسطينية لا يعني ،أبداً، التخلي عنها ، او فك الارتباط السياسي بها، أو الانكفاء إلى الداخل، نحن تاريخياً في اشتباك دائم مع اشقائنا، ومصلحتنا أن يتوحدوا ويخرجوا من صراعات الفصائل ، ومن هشاشة السلطة، وأن يتوافقوا على موقف ومقاومة، ويتمكنوا من انتزاع حقهم بإقامة دولتهم والحفاظ على هويتهم والصمود على أرضهم ،نحن معهم في كل ذلك بكل بما نملكه من امكانيات.
لكن في موازاة ذلك، لابد أن ندرك أن ثمة "طُعماً" تحاول إسرائيل أن تضعه لجرنا إلى مواجهة معها ، هذا الطعم اسمه القضية الفلسطينية ، لا يجوز أن نسمح لأحد ان يدفعنا لابتلاع هذا الطعم تحت أي ذريعة، معركة تحرير فلسطين طويلة ، وتحتاج إلى قوة عربية وإسلامية موحدة، واستعدادات كاملة ، هذا لا يتوفر الآن ، وحين يتوفر الأردن سيكون في مقدمة الصفوف .
بقي لدي نقطة اخيرة، وهي التذكير بضرورة الاستدارة للداخل واعادة ترتيب البيت الأردني ، هذا عنوان أساسي يجب ان نذهب اليه ، الان ، في سياق مراجعات عميقة لما حدث في العامين المنصرفين ، أين أصبنا واين اخطأنا ، هذا مهم لمواجهة ما ينتظرنا من أخطار، ليس على صعيد الاحتلال غربي النهر، وإنما على صعيد استحقاقات المرحلة القادمة كلها، وتجاوز ما تم نصبه من « أفخاخ» لإبقائنا في دائرة الارتباك والانتظار، أرجو من القارئ الكريم أن لا يسألني عن هذه «الأفخاخ» فما المسؤول عنها بأعلم من السائل.