
هل تستطيع معه صبرًا...
القلعة نيوز ـ
يحدث أن يستعصي عليك أمرٌ ما من أمور الشريعة والحياة، وتحتاج هنا إلى الحكمة في الفهم، والعِلّة في الحُكم. ولم يستطع نبيّ الله موسى أن يقف عند غياب العِلّة عن الفعل، فكان ما كان بينه وبين الرجل الصالح في سورة الكهف:
(قال إنك لن تستطيع معي صبرًا، وكيف تصبر على ما لم تُحِط به خبرًا).
ودخل شابٌّ على رسول الله ﷺ فقال: (يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!)، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: (ادنه)، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: (أتحبّه لأمك؟)، قال: لا والله...
وهكذا تدرّج معه بأنّ الناس لا تحبّه لأمهاتهم، فبناتهم، فعمّاتهم، فخالاتهم، ودعا له بأن يطهّر الله قلبه.
وقد وقفت الصحابيات عند السماح بالجهاد للرجال، ولكنه ليس موقف نكران وردّ، بل محاولة لفهم العِلّة والحُكم مع التسليم مسبقًا بالانصياع، والاحتفاظ بحقّ السؤال عن العِلّة، وهذا ما فهمه مجتمع الصحابة جيدًا.
ولذلك ردّت خولةُ قولَ عمر رضي الله عنهما في تحديد المهور، فقال عمر قولته المشهورة: (كلّ الناس أعلم من عمر)، وهو من قال فيه رسول الله ﷺ: لو كان نبيًّا بعدي لكان عمر، وهو المُلهَم الذي وافق القرآن في مواقف عديدة، ولم يمنع هذا من رده عندما أخطأ في الاجتهاد.
وإن كان قول: خاطبوا الناس على قدر عقولهم لا يصحّ وليس حديثًا، إلا أنّه ثبت في البخاري مرفوعًا عن عليٍّ رضي الله عنه: (حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يُكذَّب الله ورسوله)، ولهذا القول شواهد كثيرة.
فهنا يجب أن يرتقي خطاب الناس لكي يرتقي فهمهم وتعاملهم مع الأحكام والأخلاق والأعراف، ولا يجب الوقوف عند حدّ افعل ولا تفعل. ولو قصد الشرع إلى مثل هذا، لتمّ اختصار الدين في وصايا.
ونقف مثلًا مع الميراث مواقف عجيبة في هذا الزمان تحليلًا ونقاشًا، والبعض يستعصي عليه فهم حكمة أو عِلّة هنا. ولو عاد إلى زمانٍ مضى حيث كانت المرأة متاعًا يُتوارَث، فماذا سيكون موقفه؟
لقد أصبحت اليوم لها كيانها، ولها الاحترام والاعتبار في المجتمع.
وبدل أن كانت تُحرَم من حقّها لعِلّة قائمة على أن الرجل قادر على حفظ المال وزيادته ونمائه في القبيلة والعائلة، أصبحت تشارك ولها حقّها. وقد يرى البعض هذا الحق ناقصًا فيطلب زيادة، وقد يراه البعض زائدًا فيسعى إلى حرمانها منه.
لقد نزلت هذه الأحكام على قومٍ كان فيهم من يعتبر المرأة متاعًا، ولكنه انصاع لأمر الله رغبةً ورهبةً وإيمانًا وتسليمًا، والبعض في هذا الزمان ما زال يرى...
إنّ بيان العِلّة والحكمة والحُكم هو – في رأيي – أولى من بيان الحُكم مجرّدًا، لأنّ ليس كلّ متلقٍّ في قلبه مرض، وكثيرٌ منهم يبحث عن آمنتُ ولكن... ليطمئنّ قلبي.
ويبقَ الذي في قلبه مرض، هذا لا عِلّة ولا حكمة ولا حُكم يُقنعه.
إبراهيم أبو حويله .