حسين الرواشدة
المنطقة تسير نحو المجهول ، لا أحد يعرف ماذا يخبئ اليوم التالي ، ما طرحه ترامب لوقف الحرب على غزة لم يكن "خطة "، كان مجرد اقتراحات جرى التعديل على نسختها الأخيرة بشكل سافر، الأطراف العربية والإسلامية لم تجد من الحكمة (القدرة ربما ) أن تقول : "لا" وترفض ، وجدت نفسها أمام ضرورة القبول ، على أمل ان تتوقف الحرب، ثم تتمكن من تطوير المقترح وإنضاجه تبعاً لمتغيرات الواقع الذي يبقى هو "الفاعل " الأساسي في المعادلة ، لا يستبعد أحد أن تصبح غزّة "غزّتين" ، أو تُقضم الضفة وتُضم قطعة قطعة، ما تريده إسرائيل أصبح واضحاً: تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الحلم الفلسطيني بحل الدولتين.
بصراحة أكثر، لا دولة فلسطينية في المدى المنظور ، الأطراف العربية والإسلامية تدرك ذلك تماماً ، المبادرة الفرنسية السعودية ،وتداعياتها دولياً، مجرد محاولة لإبقاء فكرة حل الدولتين ، ولو رمزياً، على الورق، نتنياهو ما زال يمسك بخيوط اللعبة ولا يريد أن تتوقف الحرب ، ترامب يمكن أن يغلق ملف الضغط على إسرائيل في أية لحظة ، هذا يعني: ترتيبات ما بعد غزة ما زالت "على النار "، موضوع التهجير قيد التنفيذ بدون ضجيج، قضية سوريا وإمكانية العبث بوحدتها ما زال مطروحا وبقوة، تجهيز العراق لمرحلة ما بعد قص اجنحة النفوذ الإيراني ينتظر نتائج الانتخابات العراقية ، استمرار حالة "الميلشيات "لم يعد مقبولاً من كافة الأطراف.
أردنياً، تم رفض طلب الدخول إلى غزة من خلال المشاركة الأمنية، الأردن لا يقبل أن يكون طرفاً لفرض الأمن على الفلسطينيين ، مهمته مساعدتهم في تدريب قواتهم الأمنية فقط، الأردن ،أيضاً، لا يقبل أن يتحدث بالنيابة عن الفلسطينيين ،او يفتح أي قناة سياسية خارج السلطة الفلسطينية، مصلحته العليا أن تبقى السلطة ( على علّاتها) لأن تفكيكها سيطرح ،على الفور ، سؤال الخيار الأردني ، أو الفوضى ، الرد الأردني على أي تهديد إسرائيلي متوقع ، سواء من حدودنا الغربية أو الشمالية (أقصد محاولة تمدد إسرائيل على الحدود الأردنية السورية أو حشدها لأي قوات في الغور ) تم إبلاغه لكافة الأطراف ، إذا حدث هذا يعني إعلان حرب، وفق معلومات ،" بروفة" الرد الأردني على انتشار فرقة جلعاد على حدودنا بفرقتين أردنيتين ، كما حصل قبل عدة اشهر، يمكن أن تتكرر إذا لازم الأمر، الرسالة وصلت للجميع.
الأردن حتماً يشعر بالقلق ، صحيح يستند إلى مواقف عربية وإسلامية (أهمها الموقف السعودي ) تغيرت بشكل إيجابي اتجاه ضرورة ردع إسرائيل ، خاصة بعد عملية الدوحة ، صحيح الدور الأردني واستقرار الجغرافيا تمنح الدبلوماسية الأردنية اوراق قوة لتعديل المواقف الدولية ، وربما التأثير في واشنطن ، لكن الصحيح ،أيضاً، الأردن حسم معادلة التدخل ،فيما بعد الحرب على غزة ، على مسطرة توازنات تضمن مصالحه العليا ، يتصرف وفق جزء من كلّ عربي وإسلامي ودولي ، يتحرك بهدوء وعقلانية ،لا يفكر بالمغامرة والتهور ، يقول : "لا " إذا تحفّظ على أي قرار او موقف ، ثم يعقبها ب "لكن "، هذه ال"لكن" تطرح البديل ولا تهرب من المواجهة.
في حقل ألغام المنطقة، تحاول السياسة والدبلوماسية الأردنية أن تبحث بحذر عن مواطئ آمنة لكي تضع أقدامها ، وتتجنب اي خسارة ، المواجهة القادمة ستكون على ملف الضفة الغربية ، جهود الجاهزية الأردنية تنصب في هذا الاتجاه ، سواء على صعيد تفعيل شبكة العلاقات الإقليمية والدولية ، أو على صعيد ترتيب البيت الداخلي، وحسم الملفات التي تشكل روافد استجابة لمتطلبات المرحلة القادمة واستحقاقاتها، هذا الحسم سيكون متدرجا ومدروساً، خاصة فيما يتعلق بقضايا داخلية لها حسابات وامتدادات مع بعض العواصم في الخارج.



