نسرين الصبيحي
منذ تأسيس الدولة الأردنية، كان الهاشميون صوت العقل في زمن الضجيج.
الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، واجه في حرب حزيران 1967 أعنف موجة من الشعارات والتهديدات، لكنه بقي يرى الحقيقة بوضوح. كان يعلم أن الجيوش العربية غير مستعدة، وأن التصعيد يقود إلى فخٍّ مرسوم. ورغم تحذيراته للرئيس جمال عبد الناصر، مضت الحشود إلى الحرب غير المحسوبة، فكانت النتيجة خسارة القدس والضفة الغربية ومأساة لم تُمحَ من الذاكرة.
الملك الحسين لم يكن يريد الحرب، لكنه أيضاً لم يتهرّب من مسؤولية الأمة. رفض الحياد رغم علمه بالخسارة، لأنه كان يدرك أن الحياد في ذلك الوقت كان سيُسقط الدولة الأردنية نفسها.
كانت حكمته أنه يفرّق بين الشجاعة والمغامرة، وبين الانتماء والتهور.
واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، تتكرر الدروس ذاتها مع الملك عبدالله الثاني.
فحرب السابع من أكتوبر 2023 أعادت إلى الواجهة المشهد نفسه من الانفعال والغضب، لكن الملك عبدالله اختار طريقاً آخر — طريق العمل الدبلوماسي الهادئ والمنهجي.
بينما كانت الصواريخ تنهال على غزة، جاب العالم من واشنطن إلى باريس مطالباً بوقف الحرب وحماية المدنيين، ومدافعاً عن حق الفلسطينيين بالحياة والكرامة، دون أن يزجّ بالأردن في فوضى إقليمية لا نهاية لها.
القيادة الهاشمية لا ترفع الصوت عبثاً، بل تتكلم حين تنفع الكلمة، وتتحرك حين يفيد الفعل.
وإذا كان البعض يظن أن الحروب تصنع المجد، فإن التاريخ أثبت أن الحكمة هي التي تصنع البقاء — والأردن بقي لأنه كان دائماً يقوده رجال يعرفون متى يقاتلون… ومتى يمنعون الحرب لتبقى الأمة على قيد الحياة.



