القلعة نيوز:
بقلم:
د. صخر محمد المور الهقيش
في ظل التحديات البيئية المتزايدة وارتفاع الطلب على الطاقة، يبرز الأردن كنموذج رائد يسعى بخطى ثابتة نحو مستقبل مستدام. بين رمال الصحراء المشرقة وأمواج الرياح، تتجلى فرصة وطن قادر على تحويل التحديات البيئية إلى محرك للنمو الاقتصادي وخلق فرص مستدامة، وفق رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم: "تحويل التحديات إلى فرص".
يواجه الأردن تحديات مركبة، من شح المياه وارتفاع تكلفة الطاقة المستوردة، إلى الحاجة الملحة للتحول نحو اقتصاد أخضر مستدام. فقد شهدت السنوات الأخيرة انخفاضًا ملموسًا في معدل الأمطار بنسبة تجاوزت 20% مقارنةً بعقد 2000–2010، ما أثر مباشرة على الزراعة والموارد المائية والاقتصاد الوطني، ويجعل إدارة الموارد بشكل فعال ومستدام ضرورة وطنية. في هذا السياق، تظهر مشاريع الطاقة النظيفة وتقنيات تحلية المياه كأدوات استراتيجية لتعزيز الأمن المائي والطاقي.
القيادة الهاشمية، برؤية جلالة الملك، تؤكد أن التحول الأخضر ليس خيارًا بل استثمار للأجيال القادمة وضمان لأمن المملكة المائي والطاقي. وقد شددت القيادة على تسريع مشاريع الطاقة المتجددة، وتعزيز الابتكار، وترسيخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المحلي لضمان استدامة الموارد وحماية البيئة.
اعتمد الأردن سياسات واضحة لتحقيق هذه الرؤية، منها خطة الطاقة الوطنية 2020–2030، والمساهمة الوطنية لخفض الانبعاثات، والسعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. كما شكّلت التشريعات الوطنية، مثل قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة وقانون الكهرباء العام، الركيزة الأساسية لتمكين المواطنين من إنتاج الطاقة الخاصة وبيع الفائض، وإنشاء وحدات تخزين الطاقة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
كما أولى سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، اهتمامًا كبيرًا بدعم الشباب في مجالات ريادة الأعمال الخضراء والطاقة المتجددة، باعتبارهم الطاقة الحقيقية للتغيير وتحويل التحديات إلى فرص ملموسة، وبناء جيل واعٍ ومسؤول تجاه البيئة.
من منظور قانوني، تشكل التشريعات البيئية والطاقة المتجددة نقلة نوعية في الفكر الوطني، إذ تجمع بين حماية البيئة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. ومع ذلك، يبقى التطبيق العملي هو المعيار الحقيقي للنجاح، ما يستدعي دمج القوانين البيئية والطاقة المتجددة مع قوانين إدارة المياه والنفايات، واعتماد آليات تقييم الأثر البيئي قبل منح التراخيص للمشاريع الجديدة. كما يجب تحديث التشريعات لمواكبة التقنيات الحديثة مثل الهيدروجين الأخضر وأنظمة تخزين الطاقة، وتقديم حوافز مالية وتشريعية للمشاريع الابتكارية.
تعزيز الكفاءات والخبراء في مجالات الطاقة والبيئة والمياه أمر أساسي لضمان نجاح المشاريع وتحقيق الابتكار. ويجب أيضًا تعزيز الرقابة من خلال هيئة مستقلة، واستخدام أنظمة مراقبة رقمية متقدمة، وربط الامتثال القانوني بالدعم الحكومي، مع تمكين المجتمع والشباب عبر برامج توعية لتشجيع تركيب الألواح الشمسية وتحسين كفاءة الطاقة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
التجارب الميدانية تؤكد نجاح هذا التوجه، مثل مزرعة الرياح في الطفيلة بقدرة 117 ميغاواط ومحطة باينونة للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط، كنماذج للشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص. وعلى الصعيد الدولي، تُظهر تجارب دول مثل ألمانيا، التي تمكنت من تحقيق أكثر من 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة، والإمارات، التي وصلت إلى إنتاج أكثر من 2.5 جيجاواط من الطاقة الشمسية، إنجازات نوعية يمكن للأردن الاستفادة منها.
إن التحول نحو الاقتصاد الأخضر ليس خيارًا بل التزام وطني لحماية البيئة، وتعزيز الأمن الطاقي والمائي، وخلق فرص اقتصادية مستدامة لكل الأردنيين. فالمستقبل يبدأ اليوم بخطوة صغيرة من كل فرد، مثل تركيب الألواح الشمسية المنزلية، ترشيد استهلاك المياه، أو دعم المشاريع الصغيرة الخضراء، لكنها تحمل الوطن بأكمله نحو غد أفضل. والقانون البيئي ليس مجرد إطار تنظيمي، بل عقد اجتماعي بين الإنسان وبيئته يترجم قيم العدالة إلى حماية للمستقبل.
ولتطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع، يجب تسريع مشاريع الطاقة المتجددة وإنشاء محطات شمسية ورياح جديدة في مختلف المحافظات وربطها بالشبكة الوطنية بمرونة، مع توسيع تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها لتعويض نقص الموارد المائية وتعزيز الأمن المائي. كما يجب تمكين المواطنين والشباب من خلال تقديم حوافز لتركيب الألواح الشمسية المنزلية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الخضراء، وتعزيز الرقابة والتقييم باستخدام أنظمة ذكية لمراقبة استهلاك الطاقة والمياه وربط الامتثال بالقوانين بالدعم الحكومي. من الضروري دمج التشريعات البيئية والطاقة مع إدارة الموارد الطبيعية لضمان استدامة الأراضي الزراعية والمياه والطاقة، إلى جانب برامج تدريب وبناء كفاءات وطنية متخصصة، وحملات توعية مجتمعية لتشجيع الممارسات البيئية المستدامة، والاستفادة من الشراكات الدولية لتسريع التحول الوطني في الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.
إن هذا المسار الوطني نحو الاقتصاد الأخضر وحماية البيئة ليس مجرد خطة أو مجموعة مشاريع، بل هو واجب وطني وأمانة أمام التاريخ والأجيال القادمة. ويجب أن يكون كل فرد وكل مؤسسة، من الحكومة إلى المجتمع المدني، شريكًا فاعلًا في تنفيذ هذه الرؤية. إن الالتزام بهذه الأولويات يعكس الإخلاص للقيادة الهاشمية ورغبتنا الصادقة في تحويل التحديات إلى فرص ملموسة، ويضمن أن يكون الأردن نموذجًا عربيًا يحتذى به في الاستدامة، الأمن المائي والطاقة النظيفة، والتنمية الاقتصادية المستدامة. إن المستقبل يبدأ اليوم بخطوات عملية وواضحة، والعمل الجاد والمستمر، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين، ليبقى الأردن حصنًا للوطن ودرعًا لشعبه.
سيبقى الأردن نموذجًا عربيًا للتوازن بين التنمية وحماية البيئة، مستندًا إلى قيادته الهاشمية الحكيمة، وعزيمة أبنائه المخلصين، وإيمانه بأن الاستدامة ليست شعارًا بل أسلوب حياة. حفظ الله الأردن وشعبه وقيادتنا الهاشمية، وأجهزتنا الأمنية وجيشنا العربي المصطفوي، محط ثقة القائد وسياج الوطن ودرعه المنيع.



