على مدار العقد الماضي كانت هناك أدلة متزايدة تؤكد بلوغ المنطقة العربية للفراغ الاقتصادي على الرغم من وجود بعض الدول و خاصة دول الخليج العربي لا زالت خارج دائرة الاقتصاد المفرغ.
ووفق الأبحاث الجديدة التي أجرتها العديد من المنظمات العربية والدولية فإن هناك حوالي 250 مليون شخص من أصل 400 مليون نسمة من السكان العرب هم فقراء يعانون تأمين الحاجيات الاساسية للحياة ، وهذا على عكس ما تروّج له وسائل الإعلام في الخارج عن الثروة الضخمة ، إذ إن المنطقة العربية متشعبة ومقسّمة على ثلاث فئات ، وهي : مجموعة صغيرة من الاثرياء وتشكل ما نسبته 0.004 من مجموع السكان تمتلك 0.96 من الاقتصاد ، و مجموعة صغيرة من الطبقة الوسطى والتي شارفت على الانقراض في معظم الدول العربية ، ومجاميع من الفقراء والمهمشين الذين يشكلون الآن اكثر من ثلثي العرب.
واهم هذه الادلة نتائج دراسات الفقر التي أجرتها منظمات عربية ودولية، والمسوحات السنوية التي تجريها مراكز دراسات أكاديمية عربية وأمريكية والتي تشير بالارقام إلى أن نحو 70 % من العائلات العربية لا تستطيع تلبية الحد الادنى من الاحتياجات الشهرية الأساسية.
وتشير أرقام الفقر متعدد الأبعاد(MDP) إلى أن معدلات الفقر أعلى أربع مرات مما كان متوقعاً في السابق؛ وذلك لأن مقياس الفقر الذي طبقه الاقتصاديون في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، والبنك الدولي، ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية وغيرها من المؤسسات، قدمت لنا صورة أكثر دقة عن الفقر مقارنة بالاعتماد السابق على معدلات إنفاق الدولار في اليوم .
وفي دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أجريت على عشر بلدان عربية صُنّف 116 مليون شخص بأنهم فقراء؛ أي ما يقارب 41% من مجموع السكان، و25% كانوا عرضة للفقر - وفق قسم التنمية الاقتصادية والفقر في الأمم المتحدة- وتشير نتائج مؤشر (الاسكوا) إلى أن العائلات ذات الدخل المتوسط التي تقع على مشارف الفقر لا تستطيع تحمل أي زيادة في الأسعار أو الضرائب؛ الأمر الذي سيؤدي بها مباشرة إلى الفقر ، كما حدث ويحدث الان في العديد من البلدان العربية مثل لبنان والاردن ومصر.
وحينما طبق البنك الدولي مقياس الفقر الخاص بمعدلات إنفاق الدولار بنسبة أقل من 1.90 دولار أمريكي لكل فرد يومياً، ارتفع معدل الفقر المدقع في منطقة الشرق الأوسط للفترة 2011-2015 من 2.7 % إلى 5 %، وكان الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة في العالم التي زاد هذا المؤشر فيها في تلك الفترة.
وبالتالي، فإن الطبقة الوسطى في الدول العربية غير المنتجة للنفط قد تراجعت من 45 % إلى 33 % من السكان لغاية عام 2015 والى 21 % لغاية عام 2017.
وقد أصدر صندوق النقد الدولي بيان يشير فيه الى الحاجة لحوالي (100-60 )مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030 و (27 ) مليون وظيفة في 2023-2018 لتلبية احتياجات الخريجين الجدد، والحد من البطالة الحالية، ورفع دخل الاسرة.
وبالتالي فإن انتشار الفقر والضعف وعدم المساواة التي تهدد الامن الاجتماعي والاقتصادي الحالي والمستقبلي هي عواقب السياسات السيئة للنخب العربية غير الكفوءة ، بالاضافة الى مشاركة القوى الاقليمية والدولية العدوانية التي تدعم هذه النخب وتشجع على الحروب في المنطقة في استمرار الفقر البلدان العربية.
جملة من الممارسات المتمثلة في الحكم السيء والاقتصاديات الراكدة الموشكة على الفراغ والارتفاع الحاد في الضرائب
والرسوم وتدهور الخدمات التعليمية والصحية، وانعدام كفاية فرص العمل الجديدة، والحروب المتزايدة فضلا عن تدهور البيئات ونقص المياه وانعدام الامن الغذائي والحضارة غير المتماسكة والفساد المستشري ، تدفع بالشعوب العربية بالانتفاض غضبا على انظمتها اعتراضا على الفقر الذي لم يعد يحتمل الحياة معه وخوفا من الوصول الى اقتصاديات مفرغة بشكل واضح يصبح مع هذه الاقتصاديات الحل مستحيل والتحديات الغازا يصعب تفكيكها والمبادرات وكافة اشكال الاصلاح كلام انشائي لا يغير من واقع الامر شيء .
وهذا يعد من اعظم اخفاقات المنطقة العربية بحق شعوبها ، مضافا ً الى الاخفاقات السابقة متراكمة النتائج في الاختبارات القديمة في اقامة الدولة والسيادة والمواطنة .
رئيسة الاتحاد النسائي الاردني العام
ميسون تليلان السليم