القلعه نيوز -
عدنان ابو عودة :
- غور الأردن ليس "فلسطينياً” وخطر الضمّ وجودي علينا..
- حين جاع الفلسطينيون فتحت لهم لندن أبواب الكويت وهاجروا..
- على القيادة الفلسطينية أن تعرف عدوّها جيداً
- تغيير مقاربة "حل الدولتين” لدولة واحدة خيار استراتيجي
يستهجن المفكر الأردني عدنان أبو عودة ان يسمي احدٌ "غور الأردن” بالفلسطيني أو أن يقلل من خطورة خطوات ضم الضفة الغربية على الأردن، موضّحاً ان استشعار الخطر الوجودي تكفيه نظرة في التاريخ حيث هاجر آلاف الفلسطينيين بالفعل بعد عام 1948 حين بدأ الجوع والفقر يستشريان بين الفلسطينيين إبان قرار التقسيم.
وذكّر أبو عودة باستفاضة بالقواعد الجغرافية التي تسمّي المناطق المحاذية للأنهار بالأحواض، وان المنطقة المحاذية لنهر الأردن تم تسميتها بغور الأردن بسبب انخفاضها، مبيناً ان "الغور” سيبقى غور الأردن على الجانبين لكونه منسوب للنهر وليس للأردن كمملكة.
ورغم ان إسرائيل تستهدف الجهة الغربية من الغور في إجراءاتها الساعية للضم ومعها الضفة الغربية، إلا انه رأى ان التهوين من خطر ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، إما ان يكون "ناجما عن جهل”، أو انه "محاولة للتماهي مع الخطة الإسرائيلية وقبولها وإظهارها وكأنها لا تمس مصالح عمان، وهذا ليس حقيقياً”.
وفي حوارٍ مُنساب مع "رأي اليوم” ذكر "أبو السعيد” بعض تاريخٍ عايشه باعتباره الأكثر قدرة على شرح الحاضر والمستقبل في الأردن واحتمالات قيام الدولة الفلسطينية، فبيّن كيف أن الخطر على الأردن اليوم من الإجراءات الإسرائيلية "وجودي”، كما ويفصّل بالضرورة فيما يسميه "الاستراتيجية الإسرائيلية” في تغيير الأمر الواقع.
تهجير الفلسطينيين..
يصرّ أبو عودة على كون ممارسات إسرائيل تؤكد "تبنيها أفكار الحركة الصهيونية” والتي تقوم وفق قراءته على ركيزتين: الأولى امتلاك أرض فلسطين، والثانية ان تكون ارض فلسطين لليهود فقط؛ مبيّناً "انها امتلكت الأرض عام 1967 فعلا، بينما تسعى اليوم لتهويدها، ما يجعل الأردن هو المرشح لهجرة ما تبقى من السكان الفلسطينيين”.
ويعتبر أبو عودة ان تهجير السكان بدأ فعلا منذ حربي 1948، و1967، واللتين اسفرتا عن هجرات جماعية سببها الحرب، موضحا ان موجات هجرة أخرى حصلت أيضاً من فلسطين خلال السنوات الماضية الا انها لم تحظَ بذات الاهتمام العالمي ولا الابعاد الدولية، وكانت تندرج تحت ما يعرف اليوم بـ "الهجرة طلباً للرزق” أو الهجرة الاقتصادية.
ويشدّد أبو عودة في حديثه لـ "رأي اليوم” على انه يرى ان الاقتصاد سلاح بيد إسرائيل ستستخدمه بصورة مكثفة بمجرد "شرعنتها للضم”، مبيناً ان "تطبيع الإسرائيليين مع الخليج يصب في ذات الاتجاه بحيث تستوعب الدول الخليجية لاحقاً المهجرين من الفلسطينيين، اعتماداً على ظاهرة عام 1951”.
قراءة المستقبل مما حدث عام 1951..
ويتحدث أبو عودة عما حصل بعد حرب 1948 بقوله: أنا ابن تلك المرحلة وعايشتها، فبمجرد انتهاء حرب 1948 وهزيمة العرب تحولت الضفة الغربية إلى ملاذ للاجئين وكانت السنوات الأربع اللاحقة أصعب سنوات حياتي أي بين 1948-1952 وقد كنت أعيش في نابلس.
حين خرج اللاجئون الفلسطينيون من ارضهم اتجهوا نحو ما يعتبرونه ارضا آمنة أي تلك التي يسيطر عليها جيش عربي، ففلسطينيو الشمال في الجليل اتجهوا للبنان وسوريا، وفلسطينيو الوسط رحلوا للضفة الغربية وفلسطينيو الجنوب لجؤوا لغزة أو مصر.
أهالي يافا والقرى حولها ومعهم أهالي اللد والرملة كلهم وجدوا في الضفة الغربية الأرض الامنة، ولكنها وبعد ان كانت سابقا ناشطة اقتصادياً، جاءت عليها 4 سنوات قاسية جداً، حيث أغلقت بوجهها كل الحدود عدا الحدود مع الأردن، والتي احتاج التجار لأكثر من 4 سنوات حتى يتكيفوا معها مجددا.
عقب الحرب، واجهت إسرائيل معضلة ان الفلسطينيين كانوا يتسللون لاراضيهم في مناطق 48 ليجمعوا محاصيلهم أو يجلبوا دوابهم حتى يأكلوا ويعيشوا، ما اعتبرته إسرائيل مخالفا لاتفاقية الهدنة وهو ما جعل غلوب باشا يبتكر عدة أساليب في محاولة منه لمنع الفلسطينيين من التسلل، فمرة نشر المزيد من جنود الجيش العربي، إلا ان ذلك لم يفلح ولاحقا فرض التدريب العسكري على شبان الثانوية وقد كنت منهم، الا ان ذلك لم ينجح أيضا في ثني الفلسطينيين من العودة لاراضيهم واخذ خيراتها.
هنا كان الحل بسيط بأن نسق الانجليز بين الضفة والكويت ففتحت أبواب الأخيرة لنا ما جعل اعدادا كبيرة من الفلسطينيين يتجهون للكويت بحثاً عن الرزق، ما يفسر أيضا الاعداد الكبيرة التي خرجت من الكويت عام 1991.
ما الخطر على الأردن؟
الخطر على الأردن اليوم وجودي، حيث تريد إسرائيل عمليا ان تشرعن وجودها في الضفة، ثم يبدأ الخنق الاقتصادي وصولا إلى هجرات الرزق التي ستكون المملكة هي المرشحة لاستقبالها من الضفة الغربية.
نسمع أصواتاً تؤكد ان ضم الغور لا يمس الأردن.. كيف تقرأها؟
تبدو لي هذه التصريحات اما انها محاولة لتهوين الخطر على الأردن، أو انها تنم عن جهل. وبالحالتين لا اقبل ذلك، وبالمناسبة سأشير مباشرة إلى كلام رئيس الديوان الأسبق الدكتور فايز الطراونة، عن كون الغور الذي سيتم ضمه هو الفلسطيني، حيث هنا خطأ بمفهوم التسميات الجغرافية.
النهر سبق وجود الأردن، واسمه نهر الأردن وباللغة الآرامية التي تنتمي إليها كلمة "أردن”، فالكلمة معناها "المتدهور أو المنحدر”، لأن مياهه كانت سريعة التدفق. والأراضي المحيطة بالأنهار في العالم بالجغرافيا تسمى "حوض”، كحوض النيل وحوض المسيسيبي، وحوض الأردن. وسبب عدم استخدام كلمة "حوض” في حالة نهر الأردن، فهو ان محيط النهر يمثل المنطقة الاخفض بالعالم فسمي الغور، وهو بذلك غور الأردن بمعنى غور حوض نهر الأردن.
أما بالقول انه لا خطر على الأردن، فهنا إشكالية كبيرة، فالخطر على الأردن كما قلت وجودي، وقد يكون الأكبر.
هل انتهت فكرة ضم الضفة بتأجيلها؟
” لايهم اليوم ان كانت إسرائيل ستعلن الضم ام لا، فالحقيقة ان الضم حصل وما بقي فقط هو شرعنته، فإسرائيل عمليا قد اخذت الأرض وهي موجودة فيها”، يضيف أبو عودة موضحاً ان ما يتبقى من كل ذلك هو "التغيير الديمغرافي والذي قد يأتي على شكل هجرة من أجل الرزق”، منبها الى ان الإسرائيليين صبورين ولديهم استراتيجيتهم الواضحة بخلاف القيادة الفلسطينية "مع الأسف أقول ذلك بألم”.
ويدلل أبو عودة على كون الإسرائيليين قد حصلوا على الأرض فعلاً بالقول ان اليهود الذين كانوا موجودين في كل الأراضي الفلسطينية في عام 1947 حين صدر قرار التقسيم كان عددهم نحو 300 الف يهودي، في حين ان عدد المستوطنين الموجودين اليوم في الضفة الغربية وحدها 700 ألف.
ويذكر أبو عودة في سياق شرحه للفكر الصهيوني الذي يصر ان الدولة الإسرائيلية تتبناه اليوم، بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ صوتت مع القرار 3379 الذي يعتبر الحركة الصهيونية احدى أنواع العنصرية في عام 1975، بسبب الاستيطان وضم مناطق من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، إلا ان القرار تم الغاؤه لاحقاً عام 1991 مع بدء العملية السلمية والتي وفقا لأبو عودة لم يضع العرب "وقف الاستيطان” كشرط مسبق للبدء فيها، ما جعل المستوطنات اليوم في كثير من أراضي الضفة أصلا، وجعل الضم يحصل وان لم يكن شرعياً حتى اللحظة.
القيادة الفلسطينية والوهم..
بهذا المعنى يدين أبو عودة مجدداً الآلية التي تفاوض بها العرب والقيادات الفلسطينية، مشيرا الى ان ما أورده حول قيادة الفلسطينيين يشير إلى أنهم كانوا حريصين على الوصول للسلام مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، مبيناً ان سبب الحرص كما يفهمه يتمثل بقناعة لدى عدد من القيادات الفلسطينية عبروا عنها له مباشرة أنهم "لو اعترفوا بدولة إسرائيل فإن الإسرائيليين سيعطونهم اكثر من مجرد أراضي الضفة الغربية”، معتبرا ان الفرضية المذكورة تشير الى "جهل” في التفكيرين الإسرائيلي والصهيوني، فـ”إسرائيل تريد كل فلسطين، وإسرائيل تستوطن التزاماً وانسجاماً مع استراتيجيتها.”
وبين أبو عودة ما يحصل منذ سنوات في تاريخ المفاوضات، حيث تتعثر المفاوضات بسبب طروحات إسرائيلية غير منصفة للفلسطينيين، فيقول الإسرائيليون انهم جاهزون للتفاوض، بينما يكون الفلسطينيون قد اتخذوا قرارهم بعدم التفاوض بسبب الإجراءات الإسرائيلية، فتشير اليهم إسرائيل بأنهم من يعرقل المفاوضات. وهذه ديناميكية يراها أبو عودة باتت مألوفة وان الإسرائيليين يستخدمونها بقصد المماطلة لزيادة الاستيطان.
وأضاف أبو عودة منتقدا اتفاق أوسلو "أكبر الإشكالات ان الفلسطينيين قبلوا تأجيل ملفات كالقدس واللاجئين والحدود.. شو ضل أصلا من القضية الفلسطينية؟”، مضيفا "لقد توفي ياسر عرفات غفر الله له وهو لا يعرف عدوه”.
ما هي الاستراتيجية الإسرائيلية؟
الاستراتيجية الإسرائيلية في فلسطين هي التسلل الناعم في بناء أمر واقع جديد ثم شرعنته، بالتاريخ حدث ذلك مرارا منذ مجيء الانجليز ومعهم اليهود لتغيير الواقع الديمغرافي في فلسطين، ثم الحروب ثم الاستيطان.
ما الحل إذن؟
أعتقد ان الحل اليوم يمكن ان يكون في مقترح قدمه عبر "رأي اليوم” وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر، عنوانه تغيير المقاربة الفلسطينية بحث يطالب الفلسطينيون اما بحل دولتين مباشر مع ادلة على الأرض على قيامه، أو بدولة واحدة فيها مواطنة متساوية، وهو ما قد يغير كل الاستراتيجية الإسرائيلية حيث لا يريد الإسرائيليون ابدا دولة ثنائية العرقية.
برأيي عمليا حل الدولتين تتضاءل آفاقه والتشبث به دون عمل قد لا يؤدي الا لكسب الاستيطان المزيد من الوقت، ما يجعل تغيير المقاربة في العرض، لدولة واحدة خيارا استراتيجيا قد يسهل على الفلسطينيين اظهار الازمة الحقيقية مجددا امام المجتمع الدولي، ثم التفاوض على أساس رفض إسرائيل وليس العكس وإيجاد صيغة مقبولة للطرفين.
وشغل أبو عودة عدة مناصب حكومية وسياسية في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، كما عمل لفترة محدودة جدا مستشارا للملك عبد الله الثاني في بداية حكمه، وهو معروف بآرائه النقدية تجاه السياسات الإسرائيلية وخبرته الواسعة والعميقة في ملف القضية الفلسطينية.
* اجرت الحوار الزميله فرح مرقه -" راي اليوم "اللندنية -