دعا خبراء الى تعزيز نوعية حياة المتقاعدين وتحسين حياتهم، والتكيف مع واقعهم الجديد وتعزيز مشاركتهم التنموية، حيث يتوزع نحو ربع مليون منهم ما بين تقاعد الشيخوخة والتقاعد المبكر أو العجز الطبيعي أو إصابات العمل، بحسب الناطق الإعلامي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي.
وجاءت دعوة الخبراء تلك في ظل تواضع عدد الجمعيات والنوادي الخاصة بالمتقاعدين، التي لا تتجاوز أربع جمعيات، وفقا لسجل الجمعيات التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، بحسب ما أفاد الناطق الإعلامي في الوزارة أشرف خريس لوكالة الأنباء الاردنية (بترا).
وفي الوقت الذي عبّر فيه بعض المتقاعدين عن حالة الملل والإرهاق والعزلة، إلا أن البعض الآخر منهم استثمر مرحلة التقاعد بشكل جيد، ما أثر بشكل ايجابي على حياتهم، ونقلوا خبراتهم لغيرهم.
فالمتقاعدة هدى عبدالله العمارين، التي عملت في وزارة التربية والتعليم كمعلمة لمدة عشرين عاما، قالت إن حياتها ابتدأت بعد التقاعد، معتبرة إياها مرحلة انتقالية، أثرت في نفوس الأجيال في قريتها النائية بالبترا، عبر تغيير الصورة النمطية لديهم وحثهم على استكمال مراحل تعليمهم.
ولأنها مؤمنة بأهمية تنمية المجتمع المحلي بما فيها المناطق الريفية، وتمكين المرأة والشباب، والاهتمام بحقوق الإنسان، عملت العمارين في مرحلة التقاعد مع مؤسسات مختلفة، وانخرطت في دورات متعددة بما فيها تطوير المناهج وإعداد الحقائب التدريبية، إلى أن استقر العمل بها في الجمعية الوطنية للمحافظة على البترا، ضمن مشروع دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في برامج التوعية والتعليم حول مفهوم الإرث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية.
كما تدرجت بالعمل إلى أن أصبحت مدرّبة، مستفيدة من خبرتها ومن شهاداتها التدريبية المعتمدة، في تشجيع مشاركة النساء والشباب وبناء المهارات الحياتية والتفكير النقدي، ومعالجة قضايا الوعي الذاتي بشأن حقوق الإنسان والأشخاص من ذوي الإعاقة، والمحافظة على الإرث الحضاري والقيم التاريخية بما فيها قيم البترا، إذ حمل الطلبة هذه الرسالة وتجسدت في مبادراتهم المختلفة، خدمةً للمجتمع المحلي، على حد قولها.
وفي ذات الاطار قالت المتقاعدة، المهندسة الزراعية هدى بدوان، والتي عملت أكثر من 26 عاما كمساعد تدريس ومشرفة مختبر في الجامعة الأردنية، إن مرحلة تقاعدها المبكر، فتحت لها أبوابا وآفاقا في صناعة الحرف اليدوية والعمل على مشروعات إنتاجية سواء في التطريز الفلاحي أو استخدام الخرز في صنع أشكال منزلية أو الرسم على الزجاج، ومن ثمّ تسويق منتوجاتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مبينة أن استغلالها للوقت بالشكل الأمثل، عزز كفاءتها وطور آليات العمل عبر التعلم الالكتروني.
"اصبح من الضروري زيادة أعداد الجمعيات والنوادي الخاصة بالمتقاعدين لما لها من تأثير إيجابي في تجسير الهوة ما بين فترة العمل، ومرحلة التقاعد، وما يكتنف ذلك من صعوبات ومشاكل مختلفة"، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور سليم القيسي في معرض حديثه حول سبل تعزيز نوعية حياة المتقاعد.
ودعا وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للعمل نحو تدعيم ثقافة التقاعد، وإحلال أخرى تتفق مع تغير الوضع الوظيفي والاجتماعي ودور المتقاعدين في المشاركة التنموية، من خلال توظيف خبراتهم المتراكمة، فيما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
وأضاف القيسي: كغيرها من عمليات التغير المفصلي في حياة الأفراد، تمثل عملية التقاعد الطوعي أو الإلزامي حالة انتقال من مرحلة العمل والالتزام بالمتطلبات الوظيفية إلى حالة من الفراغ، تتسبب في حدوث صدمة تختلف حدتها من شخص لآخر، نتيجة لعدد من المتغيرات، مثل التقدم في السن ومستوى الدخل والتعلق الوجداني بالعمل والزملاء، ومدى توفر خطط وبدائل تعويضية لفترة ما بعد التقاعد.
وبين أهمية تعلم المتقاعد لأنماط سلوكية جديدة بديلة عن فترة العمل، حتى يتسنى له التكيف مع حياته الجديدة بسلاسة، داعيا الى تجنب الوقوع في حالة من الصراع بين الماضي والحاضر، والتي قد تتسبب بحالات من التوتر والميل إلى العزلة.
وأشار إلى أهمية التخطيط المسبق لثقافة التكيف، كالانخراط في مشروعات صغيرة أو المشاركة في العمل التطوعي، وتكوين صداقات جديدة، والمطالعة، والجلوس مع أفراد الأسرة والسفر الداخلي، والخارجي في مرحلة ما بعد كورونا -، ما يسهم في تحقيق انتقال هادئ من مرحلة العمل إلى التقاعد المنتجة اجتماعيا وثقافيا وفكريا.
وفي ذات السياق، سعت الجمعيات المعنيّة بالمتقاعدين لتوفير نشاطات وفرص عمل لمنتسبيها، ومن أبرزها المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، التي تقدم خدماتها المختلفة ل74 ألف متقاعد ومتقاعدة بين رتبة ضباط وضباط صف، بحسب الناطق الاعلامي في المؤسسة العقيد عارف الطراونة.
وأشار الى أن المؤسسة عملت على توظيف تسعة الاف متقاعد، كما وفرت لهم قروض ميسرة، إضافة للقرض الحسن، والمحفظة الإقراضية، وتم تخصيص ثلاثة ملايين دينار للقروض الفردية، لدعم المشروعات الانتاجية الصغيرة على مدى أربع سنوات بدون فوائد، ويتم دراسة المشروع مع وزارة التخطيط، وتوفير فرص عمل للمتقاعدين، في مجال الأمن والحماية في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى تشغيل الكثير منهم في مشروعات إنتاجية وزراعية، وتشغيلهم في مكتب تكسي المطار، بتوفير 78 سيار، كما يتم تدريبهم في محطات المعرفة التابعة لوزارة الاقتصاد الرقمي، على صيانة الاجهزة الخلوية والسلامة العامة ودورات في الحاسوب واللغة الانجليزية ومجال الأمن والحماية.
وأشار الى انه يوجد لديهم 143 جمعية تعاونية، منها ثلاث جمعيات للمتقاعدات العسكريات حققت قصص نجاح عديدة، فجمعية الزرقاء التعاونية وزعت 72 ألف دينار من أرباح العام الماضي على المستفيدين، كما تم بناء العديد من النوادي في كل من معان والمفرق وجرش، بينما النوادي في كل من عجلون والكرك ما تزال تحت الإنشاء.
وقال مؤسس الجمعية الأردنية لمتقاعدي الضمان الاجتماعي محمد عربيات، ان الجمعية تسعى لانخراط المتقاعد في جوانب متعددة، داعيا إلى أهمية تمكين الوضع المادي للمتقاعدين، من خلال توفير اعمال تعينهم على الانتاجية، فضلا عن تقديم عروض تشجيعية لهم في مجال السياحة الداخلية، لتمضية أوقات فراغهم.
من جانبه، دعا الأخصائي النفسي مالك الشامي المتقاعد أن يهيئ نفسه لهذه المرحلة بفترة مسبقة، يرسم فيها خططه المستقبلية، على أن يحرص على ممارسة نشاطاته الاجتماعية والرياضية للتغلب على الملل، وتحسين المزاج وتخفيف حدّة الانفعالات والغضب الناتجة عن الشعور بالتوتر والخوف من المستقبل.
وبين أن مرحلة التقاعد هي مرحلة تتويج للإنجاز، ومكافأة للذات على تلك الجهود المبذولة طيلة فترة العمل، مشيرا الى أن الكثير من الحالات الاستشارية التي يستقبلها هي لكبار السن، الباحثين عن فرص استغلال أوقاتهم بالشكل الأمثل بعيدا عن العزلة والانطواء.
واوضح الشامي أهمية الدور الملقى على عاتق الأفراد المقربين للمتقاعد، في مساعدته على تجاوز هذه المرحلة والاندماج في المجتمع، وإشراكه في الجمعيات والأندية، والنشاطات المختلفة.
فيما أشار أستاذ العلوم الحركية في كلية التربية الرياضية بالجامعة الأردنية الدكتور هاشم الكيلاني، الى أهمية النشاط البدني للمتقاعدين والمتقدمين بالسن، من خلال ممارسة أنواع من الرياضة، كالتمارين الهوائية، التي تحسن نوعية التنفس مثل المشي أو الهرولة الخفيفة، والسباحة، وركوب الدراجة، سواء الثابتة أو المتحركة في الأماكن الآمنة، بما تزيد من قوة المناعة والصحة الجسدية والذهنية والنفسية.
ونوه إلى أهمية تمارين القوة والتحمل، كرفع الأثقال، فضلا عن تمارين التوازن والمرونة التي تساعد على الحركة الطبيعية للجسم، وتزيد من قوته ومرونته.
ودعا الكيلاني إلى ممارسة الرياضة للمتقاعد، وإمكانية التحاقه في النوادي الرياضية، ومشاركة الآخرين في ممارسة التمارين المختلفة، بما يزيد من تفاعله الاجتماعي، وتقوية ذاكرته، موضحا أنه مع ظروف أزمة كورونا لابد من الاهتمام بالصحة والمحافظة على مناعة قوية، وهذه المناعة لا تأتي إلا عن طريق النشاط البدني والغذاء والنوم المبكر سواء للمتقاعد أو غيره من أفراد المجتمع.(بترا-بشرى نيروخ)