القلعة نيوز:
ولإستقلالنا شهداؤه... !
سلمان النقرش
الأمين العام للحزب الديموقراطي الاجتماعي الاردني سابقا
اذا بقي الإعلام الرسمي يقدم لنا يوم الاستقلال –كما هو معتاد عليه سنوياً- باعتباره مخاطبات ومراسلات ومكالمات هاتفية، تمت ما بين "ساكن رغدان"في عمان و"ساكن الوايتهول" في لندن،ربيع عام1946،ففي ذلك ظلم و"تعليب"لحدث عظيم وفاصل في تاريخ الأردن،وطناً ودولة...!!
فالاستقلال ،يا سادة،سيرورة تاريخية وعملية مستمرة ،تبدأ حينما تطأ اول قدم "سوداء همجية" ارض الكبرياء الوطنية،حيث تبدأ الدهشة، تغزو سكينة الوجدان الجمعي للفرد، الماد جذوره في تراب الارض التي تحوي رفات اجداده، وتتحول الدهشة الى غضب مكبوت في العيون ،الى نبض يتسارع في العروق ، الى الم ممض في اعصاب تعودت الكسل،الى نهوض حائر قلق على المصير،الى ترقب ومتابعة لما ستقدمه يد "القادم الجديد"،الى مطالبات و"استدعايات وعرضحال"،الى تروي وسداد رأي يقدمه "عقال القوم"لكبح تهور "الجهال"...فأن لم يأتي كل ذلك بـ "عقاد نافع"،يبدأ الأحتجاج فألهبة فألثورة فألحرب...وكل هذه شهدتها بلادنا طوال الفترة التي كانت تحت نير الهيمنة الاجنبية،سواء كانت عثمانية اوبريطانية...!
فمنذ حملة ابراهيم باشا(ابن محمد علي باشا والي مصر)1832- 1841حيث دلهم"جلحد الحباشنة"على متاهة وديان الكرك،وتم القضاء المبرم على جنود حملته...الى "هية" الكرك،التي لاتطيع "سامي باشا"ولا تعد رجالها، بقصد تجنيدهم لحروب الروملي والمغامرات الأمبراطورية العثمانية في البلقان البعيدة،والى هبات مماثلة في حوران وعجلون والشوبك والطفيلة،الى تلاقي زعامات البلاد على "معاهدة أم قيس" الأستقلالية 1920 ،الى تدفق جموع المتطوعين للهجوم على مستعمرات شمال فلسطين، المنتدبة بريطانياً، بقيادة الشهيد"كايد المفلح العبيدات"بنفس العام، الى هبة البلقاء 1923 في وجة بواكير الاستعمار البريطاني،الى انعقاد المؤتمرات الوطنية الأردنية(1929-1933)ومطالبها الجوهرية بألأستقلال الناجزوعدم الأعتراف بالمعاهدة البريطانية وقانونها الأساسي وانتخاباتها الصورية 1929 ،الى المعارضة الشرسة للانتداب واعوانه التي قادها "صبحي ابو غنيمة" ورفاقه في حزب الشعب الأردني طوال الثلاثينات والاربعينات من القرن العشرين.
ولايفوتني هنا ان اذكربأن استقلالنا في 25/5/1946 كان استقلالاً رمزيا(اقرأها صورياً)، وهذا ما فهمته ضمناً، من مذكرات المغفور لهما الملك عبدالله الأول(الاعمال الكاملة) والملك حسين(ليس سهلاً أن تكون ملكاً)، فكلاهما كانا يشكوان من عدم تجاوب حكوماتهم مع اوامرهم الا بعد مشاورة دار المعتمد – السفير فيما بعد – البريطاني، وبقي الحال الى ان الغيت المعاهدة البريطانية- الأردنية في13/3/1957. ودليل آخر على ذلك، ان قبولنا في عضوية هيئة الأمم المتحدة، تأخر لتسعة اعوام في ادراجها، الى عام 1955،وكانت الحجة ان الاستقلال كما هو في1946 غير مكتمل اركان العضوية كأمة مستقلة.
وهكذا ،نجد ان الاستقلال الذي تحقق اخيرأ ،ويحق لنا الأحتفال والزهو بأنجازه،هو تلك المسيرة الشاقة المضمخة بعبق الشهداء ومعاناة وعذابات من تبقى ،ومثلما انه "جميل ان يموت الأنسان لأجل وطنه فأن الأجمل أن يعيش لأجله",,,
وحتى نكون منصفين،وامام مهابة شيخ التاريخ وجلال قدرة،فمن الأنصاف ان نعترف للهاشميين سعيهم الدائم، ومنذ الثورة العربية، ومطلقها المغفور له "الحسين بن علي" 1916، وسرها: "الأستقلال" في دولة عربية دستورية، تشمل آسيا العربية بأسرها،ولأنهم يؤمنون بالأمة،فلايضيرهم ان تكون لجانبهم في المنجز التاريخي،ومثلما انهم من نسل شهداء فلم لايتجاوروا مع الشهداء والابطال الأردنيين في عليين، وفي هذا السياق نعدد ابطال الاستقلال منذ "جلحد الحباشنة" و"قدر المجالي" وشهداء هية الكرك،الذين اعدموا في ساحة الأتحاد في دمشق من الشيوخ(علي اللوانسة،درويش الجعافرة،ساهرالمعايطة،منصوروخليل الذنيبات)ومن اعدموا في الكرك وامام الاهالي ومنهم الشيوخ:(ذياب الجلامدة،عاتق الطراونة، منصور بن طريف،سليمان البطوش،محمد البصراوي،صحن المجالي،حسين بن اعوض الطراونة،محمود القطاونة،عبد القادر المجالي،سالم الصرايرة،معمر المعايطة،فجيج الطراونة،حسن النعيمات،محمود الضمور وغيرهم) ومثلهم (21)معظمهم من المراعية والنعيمات والعمارين والنوافلة،اعدموا في سجن معان عام 1910 ،ولن ننسى شهداء بلدة عراق-الكرك ال(80)ومعظمهم من "المواجدة" في شبه مذبحة تطهير عرقي! ومثل هؤلاء الابطال والشهداء، كان"كايد المفلح العبيدات"ورفاقة، الذين اول من ارتوت من دمائهم ارض فلسطين الطهور، بنيران سلطة الانتداب البريطاني 1920 ،و"صايل الشهوان وعطية السيوف وجديع ابو قاعود" الذين قضوا بنيران رشاشات سكاوتات الانجليز 1923، والقامة الشامخة في وجه الأنتدابين الفرنسي والأنجليزي"علي خلقي الشرايري"، وزعيم المعارضة الأول "د.صبحي ابو غنيمة"و"حسين الطراونة" ورفاقة في المؤتمرات الوطنية ،وكذلك كوكبة الشهداء الذين ارتقوا في مواجهة محاولات جر الأردن للأنضمام لحلف بغداد 1955 (حقي الخصاونة،رجاء ابو عماشة،روحي الكيلاني)وكل الذين افنوا زهرات عمرهم في معتقلات "كلوب باشا"في المحطة والجفر من الاحزاب القومية والشيوعية وابرزهم "فؤاد نصار" و"يعقوب زيادين"و"نبيه ارشيدات" و"رشدي شاهين" و"فايق وراد"وعبد الرحمن شقير"و"حمد الفرحان " و"امين شقير" و"عقاب الخصاونة"وعشرات آخرين.
وتنسانا يميننا ان نسينا، ابطال قواتنا المسلحة، الذين ذادوا –وما زالوا- على العهد في تحقيق الاستقلال والدفاع عنه بارواحهم، ومنهم من استشهد في معارك الشرف والبطولة في فلسطين قبل اندلاع الحرب 1948 وعددهم (9)شهداءوابرزهم"حمد الحنيطي" واثناء الحرب(238) وشهداء سلاح الجو في مواجهات ما قبل 1967 وعددهم(15)وابرزهم "فراس العجلوني" وشهداءومفقودين اثناء حرب 67 وعديدهم (6000)شهيد ومفقود، وفي معركة العز والكرامة1968(85) شهيد، وفي معركة تشرين على الجبهة السورية1973 (23)شهيد.
بعد كل هذه الدماء والتضحيات والعرق والدموع،التي ننحني لها اجلالاً واكباراً،في ذكرى الأستقلال المهيب،اليس باستطاعتنا القول باننا لأستقلالنا ثمن غالي، دفعته اجيال الاردنيين على مدى قرن ونيف ،يحق لنا ان نباهي الدنيا به،وأن نرفع رايته في الأعالي....!!!