
*عمالة الأطفال والتسول والمخدرات: قضايا اجتماعية تحتاج إلى حلول في إربد*
*د. عبدالله حسين العزام*
تواجه محافظة إربد كبرى المدن شمال المملكة، تحديات اجتماعية جسام تتشابك فيما بينها وتتطلب تكاتف على المستويين المؤسسي والإجتماعي وبشكل عاجل للحد من آثارها المتنامية والمتصاعدة، وعلى رأسها ثلاث ظواهر اجتماعية باتت ملحوظة للعيان على نحو متزايد ومقلق: عمالة الأطفال، والتسول، وتعاطي المخدرات في صفوف طلبة المدارس.
فمشهد عمالة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة في أحياء إربد الصناعية بات شائعا وهم يعملون في الورش والمحال التجارية، هؤلاء الصغار يُدفعون للعمل في بيئات قد تكون خطرة جسدياً ونفسياً، في انتهاك صارخ لحقوق الطفل التي يكفلها القانون الأردني والاتفاقيات الدولية.
ولعل أسباب هذه الظاهرة مركّبة، أبرزها الفقر، علاوة على تراجع الدور الرقابي لبعض الجهات ذات العلاقة المباشرة، وتساهل بعض أرباب العمل نتيجة إنخفاض أجور الأطفال مقارنة بغيرهم، فضلًا عن غياب برامج الدعم الأسري والإجتماعي التي تتيح بقاء الأطفال في مقاعد الدراسة بدلًا من إدخالهم سوق العمل مبكراً.
ولا يقلّ التسول خطورة عن عمالة الأطفال، بل إنّه في بعض صوره الواقعية بات يمارس بشكل خداع واحترافي، فقد أصبح من الشائع رؤية ممتهني التسول يختبئون تحت غطاء بيع عبوات المياه أو الورود والمناديل في شوارع إربد، أو القيام بتنظيف الزجاج الخارجي للسيارات عند الإشارات المرورية دون طلب، ليطالبوا بعد ذلك بمقابل مالي.
هذا النوع من التسول المنظم يوحي بوجود شبكات خفية تدير هذه "المهنة" المستترة، مستغلة احتياجات بعض الأسر الفقيرة، وضعف الرقابة المؤسسية، وسلوكيات العطف العفوي من المواطنين، وهو ما يتطلب تدخلًا أمنياً واجتماعياً حازماً لوقف هذا الاستغلال الممنهج.
من جهة أخرى وفي تصريح مهم، أشار وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي أ.د عزمي محافظة في حديث مع إحدى البرامج التلفزيونية التي تبث على شاشة قناة المملكة إلى أن "لا ننكر انتشار المخدرات في المدارس، ونقوم بمراقبة ذلك وبذل الجهود الوقائية من خلال كوادرنا ورفع الوعي، مؤكداً أن المشكلة حقيقية وإن كانت الجهود مستمرة لمكافحتها، وأن ربط التدخين بالمخدرات يأتي بغرض مكافحة الإثنين معا، من خلال التوعية والمبادرات والإجراءات الوقائية، سيما وأن وجودها في سن المدارس مقلق"
المقلق في الأمر أن التدخين بين الطلبة، بحسب الوزير جاء بشكل عام، "يحظى بنسبة مقلقة" وهو ما يُعد بوابة أولى نحو الانخراط في سلوكيات أكثر خطورة مثل تعاطي المواد المخدرة، وتعاطي المخدرات في صفوف طلبة المدارس في إربد ظاهرة لا يمكن إنكارها كذلك، ويجب أن تُبذل جهود مشتركة بين وزارة التربية والتعليم والجهات المختصة، من خلال لجان داخلية وخارجية، لتكثيف التوعية بين الطلبة في كافة مدارس المحافظة وألويتها مع ضرورة أهمية متابعة الحالة النفسية والاجتماعية للطلاب باعتبارها خط الدفاع الأول للوقاية، وهذا التوجه الإيجابي يحتاج إلى تعزيز الموارد وتكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة والمجتمع.
لكن معالجة هذه القضايا الإجتماعية الثلاث لا تحتمل التأجيل والتسويف إطلاقاً في ظل تفاقم النسب المحلية بحسب الإحصائيات الرسمية المحلية والعالمية، ولا يمكن أن تُحلّ بعيداً عن نهج وطني تكاملي تتعاون فيه مؤسسات الدولة ذات العلاقة التخصصية، والمجتمع المحلي، ووسائل الإعلام، والمبادرات الشبابية في آن.
فالأطفال الذين يُستغلون في الورش أو يُدفعون للتسول، والطلبة الذين يُغرَّر بهم في طريق الإدمان، هم جميعاً ضحايا فراغات في النظام التعليمي والاجتماعي والاقتصادي.
والحل يبدأ بالاعتراف الجاد بالمشكلة وخطورتها علاوة على تشخيص دقيق لأسبابها، على أن تنتهي بسياسات حماية فعلية تُطبق على الأرض لا في الخطابات فقط أو من خلال طرحها في المناقشات والتصريحات الإعلامية.