القلعة نيوز:
مريم بسام بني بكار القادري
في مشهد مهيب تجسّدت فيه راية العزم والوفاء والامتداد التاريخي للمملكة الاردنية الهاشمية العريقة، افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين بخطاب العرش السامي، حاملاً بين سطوره رسائل الثقة والاصرار والتوجيه نحو المستقبل. ان الكلمات الملكية التي اعتدناها جاءت لتضع النقاط على الحروف في مسيرة الدولة الأردنية الراسخة التي لا تعرف التردد في مواجهة التحديات ولا الحياد حين يتعلق الأمر بمصلحة الوطن والشعب.
في هذا المشهد اليوم يتقدم الموكب الأحمر حماة العرش الملكي برمزية العراقة والاصالة والتقاليد الملكية في العالم، حيث يسير فيه أسود البلاط من نشامى الحرس الملكي الضباط وضباط صف الحرس الملكي الخاص قلب القوات المسلحة الأردنية وهم يرافقون جلالة الملك بزهوٍ وانضباطٍ، يعانقون السحاب شموخاً وعزةً وولاءً بلباسهم المهيب في الموكب القرمزي المميز يعكسون تاريخ الفروسية الهاشمية الممتدة من مكة إلى عمّان. إنه عرضٌ للوفاء قبل أن يكون استعراضاً، وصورةً تختصر معاني الكبرياء الوطني والانتماء العميق بين قائدٍ يمضي بخطى ثابتة وشعبٍ يبادله الولاء والإيمان بالمصير الواحد. ذلك المشهد، حين يطلّ الملك وسط الهتافات والدعوات الصادقة، يذكّر الأردنيين بأن العزّ لا يُكتب بالحبر بل بالدم، وبأن جيشنا وأجهزتنا الأمنية هم درع الوطن وسيفه المشرّف في وجه كل طارئ وتحدي.
تضمنت كلمات الملك رؤية حازمة وإرادة فولاذية، ينبض فيها قلب الأردن بعزمٍ لا يلين، وقوةٍ لا تُقهَر، يقودها قائد حمل أمانة الوطن وشعبه على كتفيه بثباتٍ وإخلاص، راسخ الإيمان بمصير المملكة ورفعة أبنائها. ومن بين سطور حديثه المفعم بالمسؤولية والصدق، تجلى موقف إنساني عميق حين قال: "يتساءل البعض: كيف يشعر الملك؟ هل يقلق؟ نعم، يقلق على وطنه وشعبه، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئاً، فكل أردني مخلص يقف خلفه، درعاً وسنداً في وجه كل تحدٍ وصعوبة". انها كلماتٌ تختصر ملامح قائدٍ متزنٍ وشجاعٍ وحازم، يقود المملكة بعقلٍ يقظٍ وقلبٍ نابضٍ بالوطنية، يتحمل الأعباء بصبرٍ وإخلاص، ليبقى رمزاً للثبات والوفاء، وأيقونةً للقيادة التي تُلهم شعبها وتمضي به نحو المجد والصمود.
جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني مؤكداً بأن الأردن قويٌّ بإرادته، راسخٌ بثوابته، عصيٌّ على الانكسار. والذي عبر عنه جلالته بوضوح وثقة واعتزاز: "على مدى العقود، شهدت منطقتنا والعالم حروباً وصراعات وأزمات، تغيّرت الأزمات وبقي الأردن قوياً، مستنداً إلى إرث بناة هذا الوطن القائمة على قيم العزة والكرامة، يحميه جيش عربي مصطفوي، سليل أبطال كانوا وما زالوا حماة للأرض وسياجاً للوطن.
أعاد جلالته بهذه الكلمات التذكير بأن الأردن قصة صمودٍ ووعيٍ وقيادةٍ راشدة تتوارثها الأجيال وتزدهر بالعزيمة لا بالصدفة.
تضمن توجيه جلالته رسالة اصلاح واضحةً في قوله: "علينا أن ننهض بنظامنا التعليمي، ليكون أكثر مواكبة لمتطلبات العصر، وأن نواصل تطوير نظامنا الصحي وتحديث قطاع النقل، ليكون أكثر كفاءة في دعم التنمية وتحسين نوعية الحياة.” بهذه العبارة حدّد جلالته بوصلة الإصلاح الحقيقي، متمثلة بتطوير الإنسان قبل البنيان، وتحديث الخدمات التي تمسّ حياة المواطن مباشرة، لتكون دعوة للعبور نحو المستقبل بعقلٍ متجددٍ ورؤيةٍ شمولية لا تكتفي بالتنظير بل تسعى إلى التغيير الملموس في التعليم والصحة والبنية التحتية.
وفي لحظةٍ حملت وجع الأمة وشرف الموقف، قال جلالته بصوت القائد المؤمن بعدالة القضية: "نقف اليوم أمام الكارثة التي يعيشها أهلنا في غزة، الصامدون، ونقول لهم: سنبقى إلى جانبكم بكل إمكانياتنا، وقفة الأخ مع أخيه.” مؤكداً بكلماته: "لن نقبل باستمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، فموقف الأردنيين راسخ لا يلين، تمامًا كوطنهم.” كما جدّد العهد بالقول: "انطلاقًا من دور المملكة التاريخي تجاه القدس الشريف، يواصل الأردن بشرف وأمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.” هذه الكلمات ليست موقفاً سياسياً عابراً، وإنما هي قسماً وطنياً وهاشمياً يربط العرش الأردني بمصير فلسطين والقدس، حيث تختلط دماء الأردنيين بترابها وتلتقي العزيمة بالوصاية، فالقضية في وجدان الهاشميين ليست بنداً في خطاب بل عهداً لا ينكسر.
جلالته قالها بصدقٍ ممزوجاً بالفخر : "مهما تعاظمت الأحداث واشتدت، أقولها قولاً واحداً: هنا رجال مصنع الحسين، درعاً مهيباً. فهذه الأرض المباركة ولّادة الأحرار، والشباب الأردني، وأولهم الحسين، ابني وابنكم، جندٌ لهذا الوطن.” في هذه الجملة السامية يضع الملك ثقته الكاملة بالشباب الأردني، جيل الولاء والعمل لا جيل الشعارات، فهي رسالة عسكرية ومعنوية في آنٍ واحد بأن الجيل الجديد هو الامتداد الطبيعي لمدرسة الحسين بن طلال، مدرسة الإخلاص للأرض والانتماء للراية.
واختتم جلالته خطابه بكلماتٍ تفيض يقيناً وإيماناً بالوطن حين قال: "إن خدمة وطننا واجب مقدس علينا جميعاً، فلا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته، وسيبقى كذلك بعون الله تعالى.” إنها خاتمة تؤكد أن الأردن يُحفظ بإخلاص القيادة وقداسة الواجب ووعي الشعب.
خطاب العرش لهذا العام كان تجديد لبيعةٍ خالدة بين الملك وشعبه وليس مجرد افتتاحٍ برلماني وأيضاً إنه إعلان صريح بأن الأردن سيبقى كما أراده الهاشميون دولةً منارةً في الإقليم، صلباً في الموقف، ثابتة في المبدأ، عصياً على الانحناء، وسيبقى الأردن ما دامت السماء زرقاء بإذن الله قلعةً للعز، ومصنع للرجال، وراية لا تُنكّس.




