القلعة نيوز - معنى الحج أشهر معلومات
يُشير معنى (لحج أشهر معلومات) إلى أنّ أشهر الحج أشهر معلومات، فجاء هنا حذف المضاف والاستغناء عنه وناب عنه المضاف إليه الذي قام مقامه، فلم تكن النسبة إلى وقت الحجّ، بل إلى الحجّ نفسه كعبادة، إذ قُدِّست هذه الأشهر باعتبار أداء فريضة الحجّ فيها، فأصبحت وكأنّها فريضة الحجّ نفسها،
وأشهر الحجّ في قوله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، هي: شهر شوال، وشهر ذي القعدة، وشهر ذي الحجة.
وقد ذهب الفقهاء إلى عدّة آراء في ما يتعلّق بأشهر الحَجّ، وبيان ذلك فيما يأتي:
القول الأول
ذهب الحنفيّة، والحنابلة، والشافعيّة، وطائفة من السَّلَف، كابن عمر -رضي الله عنهما- إلى أنّها شهران، هما: شوّال، وذو القِعدة، بالإضافة إلى الأيّام العشر الأولى من شهر ذي الحِجّة، إلّا أنّ الشافعيّة ذهبوا إلى أنّها تنتهي بطلوع فجر يوم النَّحر.
القول الثاني
قال المالكيّة، إنّها ثلاثة أشهر بتمامها؛ واستدلّوا بصيغة الجمع الواردة في الآية الكريمة (أشهر)، وأقلّ الجمع ثلاثة، كما أنّ الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحِجّة أيّام تتضمّن بعضاً من مناسك الحجّ، كالرَّمْي، والمَبيت، بالإضافة إلى أنّ شهر ذي الحجّة يُعَدّ كلّه وقتاً لأداء طواف الإفاضة الذي يُعَدّ من فرائض الحجّ، وذلك دون خِلاف.
مسائل مُتعلِّقة بأشهر الحجّ
صحة الإحرام قبل أشهر الحجّ
اتَّفق العلماء على عدم جواز أداء أيّ نُسك من مناسك الحجّ قبل أشهر الحجّ، ومن ذلك السَّعي بين الصفا والمروة عَقب طواف القدوم، أو صيام ثلاثة أيّام للمُتمتِّع، أو القارِن قبل أشهر الحجّ، إلّا أنّهم اختلفوا في صحّة الإحرام بالحَجّ قبل أشهر الحَجّ، وبيان اختلافهم على النحو التالي:
القول الأول
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى صحّة الإحرام قبل أشهر الحجّ، وانعقاده حَجّاً، بَيْد أنّ هذا الجواز مع الكراهة؛ واستدلّوا في ذلك بقول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)؛ على اعتبار أنّ الإحرام بالحَجّ فيها أكمل من الإحرام به في غيرها، حتى وإن كان ذلك صحيحاً.
وهو أيضاً أحد النُّسكَين المُتعلِّقَين بالقِران، وعليه فإنّ الإحرام جائز في شهور السنّة جميعها، كما هو الحال في العُمرة، أو على اعتباره ميقاتاً زمانيّاً؛ إذ يصحّ بذلك الإحرام قبل أشهر الحجّ كما يصحّ في الميقات المكانيّ.
القول الثاني
ذهب فقهاء المذهب الشافعيّ إلى عدم صحّة الإحرام قبل أشهر الحَجّ، فإذا أحرم شخص ما قبل بداية شهر شوّال، كان إحرامه إحراماً بالعُمرة، ولم يكن إحراماً بالحَجّ، كما استدلّ أصحاب هذا الرأي من الفقهاء بالآية نفسها؛ ذلك أنّ التخصيص لأشهر مُعيَّنة دون باقي شهور السنة، واعتبروا أنّ الإحرام له ميقات كميقات الصلاة التي لا تصحّ قبل حضور وقتها.
حُكم العمرة في أشهر الحجّ
أدّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العُمرة في أشهر الحجّ؛ إذ اعتمر في شهر ذي القَعدة عُمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، بالإضافة إلى العمرة التي كان قارناً لها بحَجّه، وعليه فإنّ العمرة في أشهر الحجّ تُعَدّ سُنّة مُؤكّدة عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، لا بل استحبّ بعض العلماء ذلك؛ اقتداءً برسول الله، ومنهم مَن زاد على ذلك؛ إذ قارن من حيث الأفضليّة بين العمرة في أشهر الحجّ، والعمرة في رمضان.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العرب كانوا يؤمنون في جاهليّتهم بعقيدة باطلة تنصّ على أنّ أشهر الحجّ للحجّ فقط، فلا عُمرة في هذه الشهور، وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أحِلُّوا مِن إحْرَامِكُمْ بطَوَافِ البَيْتِ، وبيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، وقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا حَلَالًا، حتَّى إذَا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فأهِلُّوا بالحَجِّ، واجْعَلُوا الَّتي قَدِمْتُمْ بهَا مُتْعَةً، فَقالوا: كيفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وقدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقالَ: افْعَلُوا ما أمَرْتُكُمْ).
واستشهد جمهور العلماء على جواز العمرة في أشهر الحجّ بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (هذِه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بهَا، فمَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الهَدْيُ فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ، فإنَّ العُمْرَةَ قدْ دَخَلَتْ في الحَجِّ إلى يَومِ القِيَامَةِ)؛ إذ ورد في هذا الحديث جواز العُمرة في أشهر الحجّ إلى يوم القيامة.
وإنّ في الحديث إشارة إلى بُطلان اعتقاد أهل الجاهلية؛ بمَنع العُمرة في أشهر الحجّ، ورأى علماء آخرون أنّ معنى هذا الحديث يدلّ على جواز القِران بين العمرة والحجّ، وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك بعض التفسيرات الأخرى لحديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّها تفسيرات ضعيفة قد تصل إلى البُطلان، وتتلخَّص في اعتبار سقوط العمرة وعدم وجوبها.
حُكم الحجّ لِمَن اعتمر في أشهر الحجّ
لا يلزم الحجّ على مَن اعتمر في أشهر الحجّ إن كان قد حَجَّ قبل ذلك؛ فالحجّ واجب مرّة واحدة في العُمر، وزاد العلماء على ذلك أنّ المعتمر حتى وإن لم يكن قد حَجَّ من قبل، فلا إلزاميّة عليه أن يحجّ إن أدّى عُمرة في أشهر الحجّ، إلّا إن كان عليه نَذْر بالحَجّ في العام نفسه، فإنّه يجب عليه.
كيفية الحجّ للمُعتمِر في أشهر الحجّ
إذا اعتمر المسلم في أشهر الحجّ، وأراد أداء فريضة الحجّ، فإنّ عليه الهَدي، ويُسمّى في هذه الحالة مُتمتِّعاً؛ والهَدي يكون بالذَّبح، والتوزيع على فقراء مكّة المُكرَّمة، بالإضافة إلى الأكل، وتقديم الهديّة منها، وينطبق هذا الحُكم أيضاً على مَن خرج من مكّة المُكرَّمة خروجاً لا يستوجب قصر الصلاة.
وتعددت آراء بَيْد أهل العلم فيما إذا سافر المُعتمر إلى مكان تُقصَر فيه الصلاة؛ إذ رأى البعض أنّه يكون مُفرداً في الحَجّ، وبالتالي يسقط الهَدْي عنه، ورأى آخرون أنّ المُعتمر يظلّ مُتمتِّعاً، ولا بُدّ له من دم التمتُّع؛ بذَبْح الهَدْي؛ واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
وأمّا إذا سافر المعتمر إلى أهله، ثمّ عاد مُفرِداً بالحجّ، فليس عليه دم عند جمهور أهل العلم، ورأى ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه إذا أدّى العمرة في أشهر الحجّ، فإنّ عليه الفِدية مُطلقاً؛ سواء سافر إلى أهله، أو إلى غير أهله؛ إذ قال: "دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك".
أسرار فريضة الحج
كرّم الله عز وجل بيته الحرام بأن زاده في التعظيم والتشريف، حيث جعل الله تعالى زيارة البيت الحرام عبادة وتقرّبا للخالق، كيف لا والحج فرض على كل مسلم قادر عليه، وهو ركن من أركان الإسلام، فالحج تعبّد وتقرّب إلى الله -عز وجل- من خلال زيارة البيت الحرام ومكة المكرمة في وقت معيّن بهدف أداء المناسك.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ*فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وللحج أسرار عديدة وسمات كثيرة تتمثل أبرزها فيما يأتي:
بيان للحقيقة المطلقة بأن خالق الكون هو الله الواحد الأحد لا شريك له، كيف لا وفي حج بيت الله تتلاشى الفوارق بين الناس، فلا ألوان ولا أجناس ولا طبقات ولا لغات، فالكل متشابه بلباسه متماثل بمناسكه، فتظهر في الحج وحدة الإسلام الذي يرفض التفريق بين الناس إلّا بتقوى الله عز وجل.
درس عظيم في بيان ضعف الخلق وحاجتهم إلى خالقهم، فتتعمق في قلوبهم عظمة الله تعالى والحاجة إلى عبوديته، فالحج درس من دروس الصبر، وهو صورة مصغّرة ليوم القيامة وما فيه من حشر وأهوال.
فرصة عظيمة للمسلم كي يُكفّر عن ذنوبه ومعاصيه، فيعود كمولود جديد في نقائه، فالحج فيه يكون الإنسان في قمة إقراره بوحدانية الله عز وجل، وفي قمة اعترافه عن التقصير اتجاه خالقه جل وعلا.
فرصة يراجع المسلم نفسه من خلالها؛ بمقارنة عمله بعمل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، سواء في العبادة أو في الجهاد أو الأخلاق، كما أن الحج يجعل المسلم يعتاد على فراق الأهل والأحبة.
يُشير معنى (لحج أشهر معلومات) إلى أنّ أشهر الحج أشهر معلومات، فجاء هنا حذف المضاف والاستغناء عنه وناب عنه المضاف إليه الذي قام مقامه، فلم تكن النسبة إلى وقت الحجّ، بل إلى الحجّ نفسه كعبادة، إذ قُدِّست هذه الأشهر باعتبار أداء فريضة الحجّ فيها، فأصبحت وكأنّها فريضة الحجّ نفسها،
وأشهر الحجّ في قوله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، هي: شهر شوال، وشهر ذي القعدة، وشهر ذي الحجة.
وقد ذهب الفقهاء إلى عدّة آراء في ما يتعلّق بأشهر الحَجّ، وبيان ذلك فيما يأتي:
القول الأول
ذهب الحنفيّة، والحنابلة، والشافعيّة، وطائفة من السَّلَف، كابن عمر -رضي الله عنهما- إلى أنّها شهران، هما: شوّال، وذو القِعدة، بالإضافة إلى الأيّام العشر الأولى من شهر ذي الحِجّة، إلّا أنّ الشافعيّة ذهبوا إلى أنّها تنتهي بطلوع فجر يوم النَّحر.
القول الثاني
قال المالكيّة، إنّها ثلاثة أشهر بتمامها؛ واستدلّوا بصيغة الجمع الواردة في الآية الكريمة (أشهر)، وأقلّ الجمع ثلاثة، كما أنّ الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحِجّة أيّام تتضمّن بعضاً من مناسك الحجّ، كالرَّمْي، والمَبيت، بالإضافة إلى أنّ شهر ذي الحجّة يُعَدّ كلّه وقتاً لأداء طواف الإفاضة الذي يُعَدّ من فرائض الحجّ، وذلك دون خِلاف.
مسائل مُتعلِّقة بأشهر الحجّ
صحة الإحرام قبل أشهر الحجّ
اتَّفق العلماء على عدم جواز أداء أيّ نُسك من مناسك الحجّ قبل أشهر الحجّ، ومن ذلك السَّعي بين الصفا والمروة عَقب طواف القدوم، أو صيام ثلاثة أيّام للمُتمتِّع، أو القارِن قبل أشهر الحجّ، إلّا أنّهم اختلفوا في صحّة الإحرام بالحَجّ قبل أشهر الحَجّ، وبيان اختلافهم على النحو التالي:
القول الأول
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى صحّة الإحرام قبل أشهر الحجّ، وانعقاده حَجّاً، بَيْد أنّ هذا الجواز مع الكراهة؛ واستدلّوا في ذلك بقول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)؛ على اعتبار أنّ الإحرام بالحَجّ فيها أكمل من الإحرام به في غيرها، حتى وإن كان ذلك صحيحاً.
وهو أيضاً أحد النُّسكَين المُتعلِّقَين بالقِران، وعليه فإنّ الإحرام جائز في شهور السنّة جميعها، كما هو الحال في العُمرة، أو على اعتباره ميقاتاً زمانيّاً؛ إذ يصحّ بذلك الإحرام قبل أشهر الحجّ كما يصحّ في الميقات المكانيّ.
القول الثاني
ذهب فقهاء المذهب الشافعيّ إلى عدم صحّة الإحرام قبل أشهر الحَجّ، فإذا أحرم شخص ما قبل بداية شهر شوّال، كان إحرامه إحراماً بالعُمرة، ولم يكن إحراماً بالحَجّ، كما استدلّ أصحاب هذا الرأي من الفقهاء بالآية نفسها؛ ذلك أنّ التخصيص لأشهر مُعيَّنة دون باقي شهور السنة، واعتبروا أنّ الإحرام له ميقات كميقات الصلاة التي لا تصحّ قبل حضور وقتها.
حُكم العمرة في أشهر الحجّ
أدّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العُمرة في أشهر الحجّ؛ إذ اعتمر في شهر ذي القَعدة عُمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، بالإضافة إلى العمرة التي كان قارناً لها بحَجّه، وعليه فإنّ العمرة في أشهر الحجّ تُعَدّ سُنّة مُؤكّدة عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، لا بل استحبّ بعض العلماء ذلك؛ اقتداءً برسول الله، ومنهم مَن زاد على ذلك؛ إذ قارن من حيث الأفضليّة بين العمرة في أشهر الحجّ، والعمرة في رمضان.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العرب كانوا يؤمنون في جاهليّتهم بعقيدة باطلة تنصّ على أنّ أشهر الحجّ للحجّ فقط، فلا عُمرة في هذه الشهور، وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أحِلُّوا مِن إحْرَامِكُمْ بطَوَافِ البَيْتِ، وبيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، وقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا حَلَالًا، حتَّى إذَا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فأهِلُّوا بالحَجِّ، واجْعَلُوا الَّتي قَدِمْتُمْ بهَا مُتْعَةً، فَقالوا: كيفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وقدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقالَ: افْعَلُوا ما أمَرْتُكُمْ).
واستشهد جمهور العلماء على جواز العمرة في أشهر الحجّ بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (هذِه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بهَا، فمَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الهَدْيُ فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ، فإنَّ العُمْرَةَ قدْ دَخَلَتْ في الحَجِّ إلى يَومِ القِيَامَةِ)؛ إذ ورد في هذا الحديث جواز العُمرة في أشهر الحجّ إلى يوم القيامة.
وإنّ في الحديث إشارة إلى بُطلان اعتقاد أهل الجاهلية؛ بمَنع العُمرة في أشهر الحجّ، ورأى علماء آخرون أنّ معنى هذا الحديث يدلّ على جواز القِران بين العمرة والحجّ، وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك بعض التفسيرات الأخرى لحديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّها تفسيرات ضعيفة قد تصل إلى البُطلان، وتتلخَّص في اعتبار سقوط العمرة وعدم وجوبها.
حُكم الحجّ لِمَن اعتمر في أشهر الحجّ
لا يلزم الحجّ على مَن اعتمر في أشهر الحجّ إن كان قد حَجَّ قبل ذلك؛ فالحجّ واجب مرّة واحدة في العُمر، وزاد العلماء على ذلك أنّ المعتمر حتى وإن لم يكن قد حَجَّ من قبل، فلا إلزاميّة عليه أن يحجّ إن أدّى عُمرة في أشهر الحجّ، إلّا إن كان عليه نَذْر بالحَجّ في العام نفسه، فإنّه يجب عليه.
كيفية الحجّ للمُعتمِر في أشهر الحجّ
إذا اعتمر المسلم في أشهر الحجّ، وأراد أداء فريضة الحجّ، فإنّ عليه الهَدي، ويُسمّى في هذه الحالة مُتمتِّعاً؛ والهَدي يكون بالذَّبح، والتوزيع على فقراء مكّة المُكرَّمة، بالإضافة إلى الأكل، وتقديم الهديّة منها، وينطبق هذا الحُكم أيضاً على مَن خرج من مكّة المُكرَّمة خروجاً لا يستوجب قصر الصلاة.
وتعددت آراء بَيْد أهل العلم فيما إذا سافر المُعتمر إلى مكان تُقصَر فيه الصلاة؛ إذ رأى البعض أنّه يكون مُفرداً في الحَجّ، وبالتالي يسقط الهَدْي عنه، ورأى آخرون أنّ المُعتمر يظلّ مُتمتِّعاً، ولا بُدّ له من دم التمتُّع؛ بذَبْح الهَدْي؛ واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
وأمّا إذا سافر المعتمر إلى أهله، ثمّ عاد مُفرِداً بالحجّ، فليس عليه دم عند جمهور أهل العلم، ورأى ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه إذا أدّى العمرة في أشهر الحجّ، فإنّ عليه الفِدية مُطلقاً؛ سواء سافر إلى أهله، أو إلى غير أهله؛ إذ قال: "دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك".
أسرار فريضة الحج
كرّم الله عز وجل بيته الحرام بأن زاده في التعظيم والتشريف، حيث جعل الله تعالى زيارة البيت الحرام عبادة وتقرّبا للخالق، كيف لا والحج فرض على كل مسلم قادر عليه، وهو ركن من أركان الإسلام، فالحج تعبّد وتقرّب إلى الله -عز وجل- من خلال زيارة البيت الحرام ومكة المكرمة في وقت معيّن بهدف أداء المناسك.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ*فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وللحج أسرار عديدة وسمات كثيرة تتمثل أبرزها فيما يأتي:
بيان للحقيقة المطلقة بأن خالق الكون هو الله الواحد الأحد لا شريك له، كيف لا وفي حج بيت الله تتلاشى الفوارق بين الناس، فلا ألوان ولا أجناس ولا طبقات ولا لغات، فالكل متشابه بلباسه متماثل بمناسكه، فتظهر في الحج وحدة الإسلام الذي يرفض التفريق بين الناس إلّا بتقوى الله عز وجل.
درس عظيم في بيان ضعف الخلق وحاجتهم إلى خالقهم، فتتعمق في قلوبهم عظمة الله تعالى والحاجة إلى عبوديته، فالحج درس من دروس الصبر، وهو صورة مصغّرة ليوم القيامة وما فيه من حشر وأهوال.
فرصة عظيمة للمسلم كي يُكفّر عن ذنوبه ومعاصيه، فيعود كمولود جديد في نقائه، فالحج فيه يكون الإنسان في قمة إقراره بوحدانية الله عز وجل، وفي قمة اعترافه عن التقصير اتجاه خالقه جل وعلا.
فرصة يراجع المسلم نفسه من خلالها؛ بمقارنة عمله بعمل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، سواء في العبادة أو في الجهاد أو الأخلاق، كما أن الحج يجعل المسلم يعتاد على فراق الأهل والأحبة.