د. صبري ربيحات
الأخ والصديق طلال الشرفات أردني ولد في البادية الشرقية وينتمي الى قبائل الجبل " أهل الجبل " الذين شكلوا ركنا مهما من أركان الديمغرافيا الاردنية وامنوا إيمانا لا يشوبه شك بالحمى الاردني والهوية وعملوا بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة واصرار على خدمة الدولة وتحصين تخومها والحفاظ على هويتها.
في ثلاثينيات القرن الماضي حرص الامير المؤسس عبدالله بن الحسين طيب الله ثراه وهو يبني قوة البادية التي اشرف على فنيات عملها الجنرال الانجليزي كلوب على ان يكون ابناء القبائل البدوية عماد لهذه القوة ورسلا للدولة الناشئة بين قبائلهم .
كان المجندون في القوة يأتون من كل جنبات وأطراف البادية يتعلمون النظام والانضباط وينخرطوا في وحدات تدربهم على مهارات العمل والقيادة والادارة لحفظ الامن وبناء الشخصية الوطنية التي تنتفي بين حامليها الفروقات ويتوحد التفكير والسلوك ويكتسب الجميع عقيدة تعرف الهوية والرسالة والاعداء والأهداف.
كانت القيادة للقوة تشجع منتسبيها على التعلم والتواصل والاندماج دون أغفال الحقيقة الدامغة التي ترى ان البادية مهد لوجدان الامة فيها مخزون قيم العروبة ومعاني الإخلاص والشجاعة والحكمة المتوارثة.
كان الامير المؤسس يرى اهمية الحفاظ عليها نبعا لا ينضب لكل ما نحتاجه من قيم لاستثارة حميتنا وتعزيز ايماننا بدور هويتنا في حماية الشخصية الوطنية من الاستلاب والضياع او الارتهان ، فبقيت البادية رافدا للدولة التي تبحث عن تعريف لذاتها وسط التيارات التي تتصارع تحت عناوين التجديد والاصلاح والبعث والاممية والنهوض.
لهذه الاسباب بقيت البادية واهلها نواة لحرس الحدود غير المجندين فكان الحويطات والحجايا والنعيمات وبني عطية ينتشرون على امتداد حدودنا الجنوبية الشرقية مع العربية السعودية وقبيلة بني صخر تتربع على منتصف هضبة شرق الاردن الممتدة من أطراف مادبا حتى حدود العمري في حين تحتل قبائل الجبل وبني خالد والسردية والسرحان والغياث والرولة الواجهة الشمالية الشرقية من البلاد وعلى امتداد الحدود المتاخمة لسوريا والعراق .
تتألف قبائل الجبل او" اهل الجبل "من عشائر المساعيد والعظامات والشرفات والزبيد ويصل تعداد ابناءها الى عشرات الالاف ممن هجر معظمهم رعي الابل والمواشي ليستقروا في عشرات البلدات والقرى الممتدة من شرق المفرق الى ما يتجاوز حدود الصفاوي وعلى الكثير من الاراضي الواقعة ضمن حدود لوائي البادية الشرقية والرويشد.
وبالعودة الى الصديق طلال الشرفات الذي يحمل في جوفه طاقة لا تهدأ ويبحث عن مسارب لها. فهو استاذ قانون نابه ورجل ذا مواهب متعددة وصاحب حجة قوية يؤمن بأن الاردن يحتاج للأفضل ويسعى بكل الوسائل الى ان يكون فاعلا. فقد شارك في لجان الاصلاح في العقد الماضي واصبح له رأي يعجب البعض وينفر البعض الاخر .
لطلال تاريخ حزبي يمتد لأكثر من ثلاثة عقود فقد كان مناكفا احيانا ومدافعا عن كل ما يصدر عن الدولة احيانا اخرى استهواه العمل الرفاقي فالتحق بملحم التل وكان شريكا معه في احد الاحزاب الإصلاحية التي تظهر كالنيازك وما تلبث ان تنطفي دون أن نعرف لماذا ظهرت وكيف اختفت.
ترشح طلال قبل قرابة العقدين للبرلمان الاردني ولكنه لم يحصل على ما يكفي من الدعم للفوز. عين بعدها مفوضا في مكافحة الفساد واختير ليكون عضوا في مجلس إدارة وكالة الأنباء وعضوا في مجلس الاعيان.
قبل عامين كان اسم طلال الشرفات في طليعة الأسماء التي ظهرت على السطح كبشائر اولى للبرنامج الاصلاحي الذي تبنته الدولة لتحقيق الرؤيا الإصلاحية فقد كان أول الأسماء التي ظهرت للعلن باعتبارها تعرف على تأسيس حزب الميثاق الذي اعتبره البعض منظرا له. ما ان مرت اشهر قليلة حتى اختفى طلال من قائمة المرشحين لقيادة الحزب وظهرت اسماء جديدة غير متوقعة.
على استحياء ظل طلال يتحدث عن الميثاق بلا حماس وبشكل يجعلك تتساءل عن الاسباب التي كانت وراء تبدل موقف اكثر الناس حماسا للفكرة وتبني لها.
منذ اشهر او حتى اعوام وطلال الشرفات ضيفا دائما على الفضائيات العربية والاجنبية الناطقة بالعربية يتحدث في كل شيء عن ما قامت به الحكومة ولماذا ؟ وعن علاقتنا بالجيران ومستقبل المنطقة وعن الاحزاب والهوية ورواد السفارات من المسؤولين السابقين واللاحقين وايران وحزب الله وغيرها من الموضوعات التي تستهوي القنوات العربية .
للانصاف لدى طلال الشرفات ما يقوله ولديه من الطاقة والمعرفة واللغة ما يؤهله لان يكون ناطقا رسميا لا ولاء لديه الا للدولة والنظام .
منذ اشهر بدأ طلال يتحدث عن رغبته في تأسيس حزب للمحافظين وقد سمعته غير ذي مرة ينادي بذلك . طرحت عليه سؤالين الأول على ماذا تريد أن تحافظ؟ فالمحافظ هو إنسان لديه شيئا يريد أن يحافظ عليه ولم يجبني اخي طلال اجابة تختلف عن ما يقوله الميثاق واراده والوسط الإسلامي وتقدم وكل الاحزاب التي أنشأت او جرى تجديدها حديثا.
فالعرش والنظام والدولة ومصالحها اهداف يتبناها كل اردني حتى وان كان نزيلا في احد السجون .
أما السؤال الثاني فكان فحواه كيف توفق بين مساعيك للمحافظة التي تريد أن تؤسس لها حزب في دولة تبنت منهجا للتغيير وقالت بانها لا تريد أن تبقي على الصيغ القديمة بل ستعمل على تحديثها وفي كل المسارات.
أعرف ان الصديق طلال يعني خيرا في كل ما يحاول القيام به لكن الكثيرين منا يبحثون عن مخارج لما نشعر بأنه ازمة والا فما قيمة الريادة والتعليم والتأثير .