العلاقات الصينية الأميركية ستشهد خلال الولاية الثانية للرئيس ترامب، تنافساً وتوترات، ما دام الخلاف الأساسي بين البلدين هو على شكل النظام العالمي.
القلعة نيوز- تمارا برو/ أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني
عندما فاز الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى عام 2016، أرسلت بكين برقية تهنئة إلى الرئيس المنتخب. وبعد أيام عدة اتصل الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس ترامب مهنئاً بالفوز. أما مؤخراً، بعد فوز ترامب في ولايته الثانية، فأثير الجدل بشأن الطريقة التي هنأ بها الرئيس الصيني الرئيس الأميركي المنتخب.
فبينما قالت شبكة CNN الأميركية إن الزعيم الصيني اتصل بترامب، قالت السفارة الصينية لدى الولايات المتحدة الأميركية، تعليقاً على الاتصال، إن شي بعث برسالة تهنئة إلى ترامب، وهو ما أشارت إليه أيضاً وكالة أنباء الصين الجديدة )شينخوا( بقولها إن الرئيس الصيني بعث ببرقية تهنئة إلى الرئيس الأميركي.
وسواء اتصل الرئيس الصيني أو أرسل برقية تهنئة، فإن فحوى كلام الرئيس شي تتمثل بدعوة الإدارة المستقبلية الأميركية إلى إدراة ملائمة للخلافات بين الصين والولايات المتحدة، والتعايش السلمي، والتعاون المربح لكلتيهما بشكل يعود بالفائدة على الجانبين، وبأن العلاقة المتوترة بين البلدين ستضر بمصالحهما.
تعكس كلمات الرئيس الصيني مدى قلق بكين من الإجراءات المضادة التي من المحتمل أن يتخذها ترامب ضد الصين، وخصوصاً أن تصرفات ترامب غير قابلة للتوقع وقوية، إذ سبق للصين أن عانت إجراءاته وحربه التجارية معها.
ويدل الخطاب، الذي ألقاه ترامب أمام مناصريه في فلوريدا، وأعلن فيه فوزه بالانتخابات، وقوله إن "العصر سيكون العصر الذهبي" و"سيجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وذكّر الصين بأنها لا تملك ما نملكه"، يدل على أن هناك تدابير وإجراءات قاسية سيفرضها ترامب على بكين لإعاقة نموها وتطورها كي تبقى الولايات المتحدة الأميركية هي القوة العظمى المهيمنة عالمياً.
الحرب التجارية
صرّح الرئيس ترامب، خلال حملاته الانتخابية، بأنه سيزيد الرسوم الجمركية على السلع الصينية لتصل إلى 60% وحتى إلى 100%. وهذا الأسلوب اتّبعه ترامب خلال فترة ولايته الأولى، بحيث فرض رسوماً جمركية على السلع الصينية وصلت إلى 25% بسبب ما عدّه ممارسات بكين غير العادلة.
وفي سياق الحرب التجارية هذه فرضت بكين رسوماً جمركية على السلع الأميركية، وأدت هذه الزيادة المتبادلة في التعريفات الجمركية إلى الإضرار بالصادرات الزراعية الأميركية إلى الصين وبقطاع التصنيع في البلاد.
وفي حال نفذ ترامب تعهده زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 60%، فمن شأن ذلك إلحاق ضرر بالاقتصاد الصيني الذي يعاني أصلاً بسبب إغلاق البلاد بعد تفشي فيروس كورونا، وأزمة العقارات، وتباطؤ الاستهلاك المحلي، والبطالة، وغير ذلك من المشاكل الداخلية للصين، بالاضافة إلى القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية.
أخذت الصين، خلال العام الحالي، تعمل بشكل كبير على إعادة النمو إلى اقتصادها، فأطلقت خلال الأشهر الأخيرة مجموعة من التدابير لتحفير اقتصادها، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة وتخفيف القيود على شراء المنازل.
ومع فوز ترامب، أعلنت بكين برنامجاً بقيمة 1.4 تريليون دولار لإعادة تمويل ديون الحكومات المحلية تفادياً للحرب التجارية المرتقبة بين البلدين. كما تدرس خططاً لتقديم تخفيضات جمركية وإعفاءات من التأشيرة واستثمارات وحوافز أخرى لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا لتعويض الضرر المحتمل على اقتصادها في حال أقدم ترامب على زيادة التعريفات الجمركية.
ما لا شك فيه أن الصين ستواصل المباحثات التجارية مع الإدارة المستقبلية للرئيس ترامب، لكن ما يُقلق بكين هو أن يُعاد تعيين أشخاص كان لهم نفوذ كبير خلال حروب ترامب التجارية خلال ولايته الأولى كروبرت لايتهايزر، الذي تولى منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة وساهم في فرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية.
وفي حال قام ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية، ستقوم الصين بإجراءات مضادة وفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأميركية ويدخل البلدان في حرب تجارية جديدة تؤثر في اقتصادهما وفي الاقتصاد العالمي ككل.
فيما يتعلق بالرقائق الإلكترونية، والتي تسمى "النفط الجديد"، فعلى الرغم من أن إدارة الرئيس جو بايدن كانت أكثر تشدداً تجاه الصين فيما يتعلق بأشباه الموصلات، فإن من المحتمل أن يقيد ترامب وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، ويضغط على الدول الأخرى لتقليل تعاونها مع الصين في موضوع أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ولاسيما كوريا الجنوبية واليابان وهولندا وتايوان وفيتنام.
ومن المتوقع أن يسعى ترامب، بالتوافق مع إيلون ماسك، المدير التنفيذي لشركة تسلا، والذي من المتوقع أن يتولى وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترامب الجديدة، لتعزيز إنتاج الرقائق الإلكترونية المتطورة في الأراضي الأميركية وتشجيع الابتكار، ليُعيد إلى الولايات المتحدة الأميركية ريادتها في مجال الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والسيطرة على سوق التكنولوجيا والابتكار.
سباق الفضاء
لن تتوقف الحرب بين الصين وأميركا على الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، إذ إن من المحتمل أن يشهد الفضاء ساحة تنافس بين الدولتين، ويتولى إيلون ماسك، الذي عبّر في مناسبات كثيرة عن رغبته في إرسال أول فوج من رواد الفضاء إلى المريخ بواسطة شركته "سبيس إكس"، هذه الحرب، وخصوصاً أن الصين أعلنت سابقاً انها أطلقت دفعة أولى من الأقمار الصناعية ضمن برنامج فضائي منافس لشبكة الإنترنت العالمية "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس أكس"، وتعتزم جلب عينات من المريخ في عام 2028 بعد أن نجحت في جلب عينات من الجانب البعيد للقمر هذا العام.
الدفاع عن تايوان
كانت تايوان، خلال إدارة جو بايدن، شعلة الخلاف بين بكين وواشنطن، بحيث ازدادت المساعدات الأميركية للجزيرة الطامحة إلى الاستقلال، وأتت زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، في عام 2022، لتايبيه لتزيد في حدة التوترات بين البلدين.
ومن المتوقع أن يتعامل دونالد ترامب في ولايته الثانية مع الجزيرة بأسلوب مغاير عن إدارة الرئيس بايدن. ويمكن ذكر 3 سياقات للعلاقات بين الجانبين: الأول أن تدفع تايوان في مقابل الحماية الأميركية، وهو ما طلبه ترامب من تايبيه في مقابلة أُجريت معه، بحيث قال إنه يجب على تايوان أن تدفع في مقابل الدفاع عنها، واتهمها بأنها سرقت الرقائق الإلكترونية من الولايات المتحدة الأميركية. وهدد بفرض تعرفات جمركية على الشركات التايوانية.
والدفع في مقابل الحماية ليس أسلوباً جديداً لترامب. ففي ولايته الأولى طلب إلى اليابان زيادة المبلغ الذي تدفعه غب مقابل بقاء القوات الأميركية في أراضيها. ومن المتوقع أن يطلب إليها وكوريا الجنوبية دفع مزيد من الأموال في مقابل استمرار انتشار القوات الأميركية في أراضيهما.
أما السياق الثاني لتعامل دونالد ترامب مع تايوان فهو أن تتم صفقة بين الصين وترامب بشأن عدم دعم الأخير الجزيرة، عسكرياً ومالياً وسياسياً.
وبالنسبة إلى السياق الثالث هو ألا يوفر ترامب الدعم لتايوان وتبقى مهملة، غير أن هذا الاحتمال بعيد نظراً إلى أن تايبيه بدأت تدرس شراء حزمة كبيرة من الأسلحة الأميركية لإثبات جديتها في تعزيز دفاعاتها ضد الصين، وإنفاق مزيد من المال على متطلبات الدفاع بضغط من واشنطن، ولأن تايوان تدخل ضمن المنافسة الصينية الأميركية. وبالتالي، يمكن أن يستخدمها ترامب ورقة ضغط على بكين.
وبشأن مساعدة أميركا لتايوان في حال الهجوم العسكري الصيني عليها، فمن المستبعد أن تتدخل عسكرياً، لكن ترامب سيفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية تصل إلى 200%.
ماذا عن هونغ كونغ؟
لم يتحدث ترامب كثيراً عن هونغ كونغ في تصريحاته خلال حملاته الانتخابية، لكنه أشار إلى أنه سيسعى لإخراج الناشط جيمي لاي، المتهم بالتحريض على الفتنة والتواطؤ مع قوى أجنبية، من السجن بعد التحدث إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ. هذه التصريحات أثارت حفيظة الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، الذي دعا الرئيس المنتخب إلى عدم التدخل في شؤون المنطقة الداخلية.
ويشير بعض التوقعات إلى إمكان لجوء الرئيس المنتخب إلى إغلاق المكاتب التجارية الثلاثة لهونغ كونغ في الولايات المتحدة، بهدف الضغط على الصين، بعد إقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يجيز إغلاق المكاتب التجارية والاقتصادية لهونغ كونغ إذا لم تكن تعمل "بدرجة عالية من الاستقلال" عن الصين.
وخلال ولايته الأولى، أنهى ترامب المعاملة التفضيلية التي كانت تتمتع بها هونغ كونغ في التجارة مع الولايات المتحدة الأميركية، ووقع على قانون "هونغ كونغ للحكم الذاتي"، الذي يجيز فرض عقوبات على مسؤولين صينيين وبنوك صينية.
وعلى ما يبدو، فإن هونغ كونغ ستكون ورقة ضغط تستخدمها الإدارة المستقبلية لترامب بهدف إجبار الصين على تقديم تنازلات بشأن ملف من ملفات الخلاف بين البلدين، أو أن تطلق بكين سراح الناشط جيمي لاي في مقابل عدم إغلاق المكاتب الاقتصادية والتجارية لهونغ كونغ على الأراضي الأميركية.
يُقدِّم بعضُ أوجه سياسة ترامب المحتملة تجاه الصين، وتُظهر الشخصيات التي اختارها لتولي مناصب كبيرة في إدارته الجديدة، أن بعضاً منها معروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين كـ ماركو روبيو، الذي اختاره ترامب لتولي وزارة الخارجية والخاضع لعقوبات من الصين، والنائب عن فلوريدا مايك والتز، الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي.
لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الصين اليوم ليست هي الصين التي كانت خلال فترة ولاية ترامب الأولى. فبكين بدأت تعتمد على الابتكار الذاتي، وأصبحت أكثر اعتماداً على نفسها في مجال التكنولوجيا، وبذلت الجهود لتقليل اعتمادها على العالم الخارجي، وأخذت تعمل على تصليح علاقاتها بالدول التي لها معها خلافات كالهند، ووطدت علاقتها بدول آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط بهدف زيادة التعاون، تجارياً واقتصادياً، مع هذه البلدان.
كما أن الملياردير الأميركي إيلون ماسك يمكن أن يؤدي دوراً في تهدئة التوترات بين البلدين، نظراً إلى علاقاته الوثيقة بالمسؤولين الصينيين، ويتمتع بامتيازات نادراً ما يتم تقديمها إلى المستثمرين الأجانب الآخرين، وله مصالح كبيرة في الصين، بحيث إنه يتم تصنيع نصف سيارات شركة تسلا الكهربائية في البلاد. وكان من المعارضين لفرض رسوم جمركية أميركية على السيارات الكهربائية الصينية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن العلاقات الصينية الأميركية ستشهد خلال الولاية الثانية للرئيس ترامب، تنافساً وتوترات، ما دام الخلاف الأساسي بين البلدين هو على شكل النظام العالمي.
المصدر : المياديت نت