
الأردن: واحة استقرار في محيط مضطرب
القلعة نيوز:الباحث القانوني نور الدين سعد الجبالي
في قلب منطقة تعج بالتقلبات السياسية والصراعات العسكرية والتحديات الأمنية، يبرز الأردن كحالة استثنائية من التوازن والاتزان، في مشهد إقليمي تتنازعه الأزمات وتغيب عنه الاستقرار. فهذا البلد الصغير في مساحته، الكبير في دوره، استطاع عبر عقود أن يحفظ أمنه واستقراره وسط بحر متلاطم من التوترات، بفضل حكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه وقدرته على التكيّف مع المتغيرات دون أن يتخلى عن ثوابته الوطنية.
فالناظر إلى خريطة الجوار الأردني لا يحتاج لكثير من التأمل ليكتشف حجم التحديات المحيطة. فمن الشمال، سوريا التي أنهكتها الحرب وأفرزت ملايين اللاجئين ، ومن الشرق العراق الذي عاش فصولاً من الفوضى بعد الاحتلال الأمريكي، ومن الغرب القضية الفلسطينية والصراع المزمن مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن الجنوب تمتد الحدود مع السعودية التي رغم استقرارها، إلا أن ارتدادات المنطقة تصيبها بين الحين والآخر. وبين كل هذه البؤر، بقي الأردن واقفًا، متماسكًا، يشكل نموذجًا للدولة التي تعرف كيف تحمي نفسها دون أن تنعزل، وكيف تنفتح دون أن تُبتلع.
ولا يمكن الحديث عن استقرار الأردن دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته القيادة الهاشمية، والتي أثبتت في كل المحطات حسها العميق بالمسؤولية، وحنكتها السياسية في إدارة الملفات المعقدة داخليًا وخارجيًا. فالملك عبد الله الثاني، ومن قبله الملك الحسين بن طلال رحمه الله، قادا البلاد بحكمة وسط أزمات قد تُسقط دولًا، فكانا في مقدمة من دعا إلى الحوار حين علت أصوات الحرب، وعملا على تحصين الجبهة الداخلية حين اهتزت حدود الإقليم، دون أن يغفلا الدور الإقليمي والدولي الذي يفرضه موقع الأردن الجيوسياسي.
ورغم أن التحديات لا تزال قائمة، فإن الأردن لا يعيش في مأمن منها. فالتحديات الأمنية تزداد مع تنامي خطر الجهات الخارجية التي تسعى دوماً زعزعة الأمن الوطني بشتا الطرق الخبيثه ، ووجود شبكات تهريب وتسلل على الحدود كون ان الاردن هدف لها ، والضغوط الاقتصادية الناتجة عن استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين تشكل تحدياً يتعامل معه الأردن بكل حكمة ، عدا عن المطالب متزايدة بالإصلاح السياسي وتحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفساد، وهي قضايا يتعامل معها النظام الأردني بحذر ومسؤولية، ساعيًا نحو التدرج في الإصلاح دون فتح الباب للفوضى.
سياسيًا، يوازن الأردن بين مصالحه الاستراتيجية وانتمائه العربي، ويدير علاقاته مع القوى الكبرى بحنكة تجعله محل احترام دولي، دون أن يتنازل عن مواقفه تجاه القضايا المحورية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وفي النهاية، يبقى الأردن اليوم، رغم التحديات والضغوط، مثالًا لدولة صغيرة في الحجم، كبيرة في أثرها، استطاعت أن ترسم لنفسها خطًا مستقلاً متزنًا، لا ينساق خلف المغامرات، ولا يرضى بالجمود. بل هو بلد يعرف متى يصمت بحكمة، ومتى يتكلم بثقة، ومتى يتحرك بحذر. ووراء هذا كله قيادة هاشمية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وشعب واعٍ يدرك قيمة الأمن في زمن تهاوت فيه أنظمة، وتبعثرت فيه دول .