
د علي السردي
خطوة هامة جاءت على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، بعد إعلان الأردن وروسيا عن إلغاء متبادل لتأشيرات الدخول بين مواطنيهما، في خطوة اعتُبرت أكثر من مجرد تسهيل لإجراءات السفر، إذ تعكس توجهًا استراتيجيًا نحو تعزيز مستوى الشراكة الثنائية. هذا القرار يسلط الضوء على توجه عمّان وموسكو إلى إعادة صياغة علاقاتهما بما يتجاوز الطابع التقليدي للتعاون الدبلوماسي، ليأخذ شكل تحالف استراتيجي يتناسب مع تحولات المشهد الإقليمي والدولي الراهن.
إلغاء التأشيرات لا يقتصر على كونه إجراءً إداريًا، بل يمثل رسالة سياسية واضحة مفادها أن الطرفين يرغبان في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي، وفي الوقت ذاته يرسخان حضورًا أكبر في ملفات استراتيجية بالغة الحساسية. الأردن ينظر لهذه الخطوة في إطار انفتاح سياسته الخارجية المتوازنة، التي من اولويتها تنويع الشركات وعدم الارتهان لمحاور بعينها، بينما ترى روسيا في الأردن حليفا شريكا يعطها موقعًا استراتيجيًا مميزا على حدود منطقة تعج بالقضايا الحساسة ، من فلسطين إلى سوريا والعراق.
في ظل التحولات الدولية المتسارعة التي فاقمها الصراع في أوكرانيا وما تبعه من إعادة تشكيل للتحالفات، تبدو هذه الخطوة انعكاسًا لتوجه مشترك نحو كسر الاصطفافان التقليدية. فموسكو تسعى إلى توسيع دائرة علاقاتها مع دول مؤثرة في الشرق الأوسط، فيما تحرص عمّان على تأكيد استقلالية قرارها السياسي، عبر نسج شبكة من العلاقات المتوازنة تتيح لها أكبر قدر من المرونة في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، من المنتظر أن يفتح القرار الباب أمام زيادة التبادل التجاري والاستثمارات، خصوصًا في مجالات الطاقة والسياحة والخدمات، إلى جانب تعزيز فرص التعاون الأمني والعسكري، بما يتلاءم مع التحديات المشتركة مثل مكافحة الإرهاب وإدارة تداعيات أزمات اللاجئين والنزاعات الإقليمية.
خامتا: إن قرار إلغاء التأشيرات بين الأردن وروسيا ليس مجرد تسهيل لحركة الأفراد، بل خطوة تكشف ملامح تحالف استراتيجي جديد، يعكس وعيًا مشتركًا بضرورة إعادة التموضع في عالم يتسم بالتقلب، ويؤكد أن الطرفين يسعيان إلى صياغة علاقة تتجاوز الحسابات اللحظية لتضع أسسًا لشراكة طويلة المدى ذات تأثير فاعل إقليمياً ودولياً.