
بسط نفوذ القوى العسكرية الجديدة سوف يحدد الخريطة الجديدة للشرق العربي
القلعة نيوز
كريستين حنا نصر
الضربات الاسرائيلية على قادة حماس في مقر اقامتهم في الدوحة العاصمة القطرية، والذي نتج عنه مقتل ستة أشخاص في الغارة، بينهم نجل خليل الحية ومدير مكتبه وثلاثة مرافقين ، بات واضحا انها مؤشر على انتقال الصراع بين اسرائيل وحركة حماس في حربهم في غزة لتصبح خارج محيطهم ، والتي اخذت تتوسع باتجاه اختراق مناطق وبلدان لها يد في دعم حركة حماس، حيث أن قطر وبالرغم من لعبها دوراً في الوساطة بين الطرفين ، إلا أنها أي قطر تدعم حركة حماس ، وايضاً يتواجد فيها المركز الاعلامي لقناة الجزيرة والمعروف حيادها لصالح حركة حماس ، وبالطبع فإن الجميع يدرك أن دولة قطر دعمت المعارضة السورية وبشكل خاص الائتلاف السوري ، كما أنها تدعم حركة الاخوان المسلمين وحركة حماس مادياً في الصراع القائم بين اسرائيل وحماس في غزة والمستمر حتى اليوم ، وكذلك الدعم القطري لهيئة تحرير الشام سابقاً ومؤخراً دعم الرئيس المؤقت لسوريا أحمد الشرع ، ويعكس ذلك أن زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى العاصمة السورية دمشق بتاريخ 30 كانون الثاني عام 2025م، كانت أول زيارة لرئيس دولة عربية إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد البائد .
وهنا نلاحظ اليوم بعد هذه الضربة الجوية الاسرائيلية بان الصراع أصبح خارج الجغرافية المحلية للحرب بين حماس واسرائيل ، وبالتالي توسع ميدان الحرب وحدودها ، لتقصف اسرائيل ليس فقط قادة حماس ولكن ايصالها رسالة الى قطر تتضمن تنبيهاً لها على دعمها لحركة حماس وحزب الاخوان المسلمين في المنطقة العربية، وهذا يأتي بشكل مكمل وموازي للضربات الجوية العسكرية الاسرائيلية في العمق السوري ، وتحديداً في منطقة الجنوب السوري وريف دمشق ، وتتقاطع فيها المصالح وصراعات النفوذ بما في ذلك النفوذ التركي والنفوذ الاسرائيلي ، خاصة في هذه المرحلة الحالية المؤقتة الانتقالية للرئيس السوري أحمد الشرع ، ووسط هذه التطورات المتسارعة فإن ادارة البيت الابيض في واشنطن تراقب المجريات بحذر ، وهذه التحركات للقوى الدولية يبدو أنها أصبحت تتنافس على مستقبل سوريا والمنطقة لتُرسم بيد ما يمكن تسميته بقوى المصالح المتصارعة والمتنافسة ، وبالاخص في فترة تشهد ضعف الدولة السورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً .
والآن في هذه الفترة يزداد التوتر بين اسرائيل وتركيا أيضاً ، ممثلاً ذلك بالضربات الاسرائيلية مؤخراً في العمق السوري ، اضافة الى التطورات الجارية في الجنوب السوري ، بما في ذلك ما يحدث في القنيطرة والجولان ، اضافة للغارات على محيط دمشق ، وبالتالي بات من الواضح بروز ملامح تحول اسرائيل من الضربات المحدودة الى ضربات أوسع ووجود تطورات على واقع ميداني على الارض ربما يمكن وصفه بأنه استراتيجية ثابتة وطويلة الأجل للوجود الاسرائيلي في الجنوب السوري ، وهذا كله من شأنه زيادة حدة الصراع الخفي ، والتنافس بين تركيا واسرائيل على بسط السيطرة في داخل الجغرافية السورية ، حيث تستمر تركيا في بسط سيطرتها عسكريا في الشمال السوري من خلال قواتها العسكرية وعلاقاتها المحلية ، خاصة مع الحكومة المؤقتة الانتقالية الممثلة بالرئيس السوري أحمد الشرع .
وهنا يكون الوجود الاسرائيلي في الجنوب السوري بمثابة تهديد لتركيا في امكانية بسط سيطرتها ، وضمن اطار وجود الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً في الجنوب، وكل هذا يُفاقم التنافس بين اسرائيل وتركيا والذي سوف يؤثر حتماً على طبيعة رسم الملامح الجديدة الانتقالية لمستقبل سوريا السياسي والنفوذ العسكري في سوريا أيضاً ، وكذلك سوف يؤثر على من ينجح في التاثير على التوازنات للمكونات والقوى الداخلية حيث سيكون هو الرابح في هذا الصراع ، والأهم بالنسبة لاسرائيل أنها لا تريد لتركيا التوغل والتموضع قرب الحدود الاسرائيلية المحاذية للجنوب السوري ، وكل هذه التحركات تثبت توجه اسرائيل نحو وجود دائم لها عسكريا في جنوب سوريا وبالأخص بعد التوترات والانتهاكات التي حصلت مؤخراً للمكون الدرزي المتواجد في السويداء ، هذه المدينة التي هي حتى الآن محاصرة ، والتي قد فتح لها ممر انساني من قبل اسرائيل ، وكل هذه التطورات تُنذر باحتمالية نشوب صراع عسكري بين الطرفين على الاراضي السورية ، حيث الامور متوترة بينهم منذ مدة ، وتتجه نحو التصعيد خاصة في ظل التصريحات الاعلامية المتبادلة بينهم مؤخراً .
ونلاحظ اليوم أن الموقف الامريكي محايداً تجاه هذه التطورات الجارية بين الطرفين، فلم يُظهر الموقف الأمريكي أي اعتراض واضح على التحركات الاسرائيلية في سوريا ، وامريكا تعمل على سياسة ممنهجة تقوم على موازنة علاقتها مع تركيا واسرائيل ، خاصة أن تركيا حليف في حلف الشمال الاطلسي ( النيتو) ، بالمقابل تسعى أمريكا الى ديمومة استراتيجية التوازن في تحالفها مع اسرائيل الشريك المهم، وتحاول البقاء بعيدة خاصة اذا تطورت الأمور بين الدولتين اي تركيا واسرائيل، والحرص على عدم أخذ موقف مع أي جهة ضد أخرى.
ومن الواضح أن لتركيا تواجد سياسي وعسكري في الشمال السوري ، كذلك وجود قوى عسكرية لاسرائيل في الجنوب ، خاصة انها اصبحت تسيطر على التلال والهضاب الحدودية مع سوريا ، والسؤال هنا هل سوف يزداد التوتر بين تركيا واسرائيل في سوريا ؟ وهل سيكون ذلك انذاراً مبكراً لحدوث مواجهات عسكرية بينهما على الاراضي السورية ؟ ، اي تعميق صراع الوجود والنفوذ بينهما في سوريا . وللأسف هذا كله واقع نراه قد حصل بعد تفكيك الدولة السورية وحالة ضعفها العسكري ، بالاخص في هذه المرحلة العصيبة بالصراعات العرقية وطائفية وعدم امكانية الحكومة الحالية من بسط سيطرتها عسكرياً على كامل الجغرافية السورية ، وحيث أن الدولة السورية الحالية تواجه تحديات استراتيجية مختلفة في وقت تطمح فيه تركيا أن تكون صاحبة النفوذ الاقوى والمسيطرة على مفاصل قرارات الدولة السورية ، معتمدة في تحقيق هذا الهدف ضمن علاقتها الوطيدة مع الحكومة السورية الحالية المؤقتة ، التي تربطها بها علاقات وطيدة ، و وراء الستار تسعى تركيا لتوجيه الامور فيها لصالحها من خلال الحكومة الحالية المؤقتة ، وفي هذا الوقت تتزايد الاحتمالية بامكانية تطور الامور بين تركيا واسرائيل خصوصاً في حال دخلت قوى أخرى على خط الصراع بينهما في الأراضي السورية ، وكل هذا يُنذر بعدم استقرار سوريا على على المدى القريب ، الى جانب تأجيل وتعطيل اعادة الاعمار فيها ، وفي ظل الظروف التي تشهدها سوريا الآن ، والتي تمر بظروف عصيبة اقتصادياً أيضاً ، وهذا يتمثل اليوم بوجود مظاهرات محلية تطالب بالحصول على الرواتب من الحكومة السورية ، إذ أن بعض الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم منذ اكثر من أربعة أشهر ، لذا فإن مصير المرحلة الانتقالية في سوريا الان سوف يكون له دور في حسم مستقبل سوريا متوازياً مع دور القوى والنفوذ المتصارعة التي قد تشهد دخول قوى أخرى في المشهد السوري ، على سبيل المثال روسيا التي تسعى لتعزيز علاقتها مع الحكومة السورية المؤقتة مؤخراً .
وفي المحصلة يبقى مستقبل سوريا مرهون بنفوذ تركيا واسرائيل وامريكا ، وهذا حتما سينعكس على مستقبل منطقة الشرق العربي بما في ذلك ما يعرف ببلاد الشام قديماً ، وايضاً كل هذه التطورات الجارية مؤخراً ستؤثر على الجغرافية والخرائط القديمة أي خرائط سايكس بيكو القديمة المهددة بالتغيير ، وسيفرز واقع جديد ترسم فيه خرائط جديدة للشرق الأوسط والذي يبدو أن سمتها هي الدولة الاقوى ونفوذها الاقوى العسكري هو الذي سوف يكون المتحكم في رسم وتنفيذ الخرائط الجديدة وبالقوة العسكرية وستبسط نفوذها القوي وتوسع سيطرتها على المنطقة لرسم خرائطها الجديدة حسب النفوذ .
وللاسف يبقى الشرق العربي ومستقبله مرهوناً وبكل تأكيد بمدى نفوذ القوى الجديدة المهيمنة في المنطقة والتي ستحدد بلاشك المستقبل السياسي والعسكري والامني والاقتصادي للمنطقة ، وبشكل يكون له انعكاسه على طبيعة تبلور التطورات العسكرية والسياسية المستقبلية في العراق ولبنان وليس سوريا فقط .