شريط الأخبار
اقتصاد الأردن 2025: "وزارة الاستثمار" تقود تحولاً جذرياً.. نمو التدفقات الأجنبية بنسبة 27.7% وتوقعات أفضل في 2026 ما حقيقة حقن +NAD في الأردن؟ البيوهاكينغ biohacking تحت مجهر الغذاء والدواء الأردنية جامعة البلقاء التطبيقية ومديرية الأمن العام تنظمان ندوة وطنية توعوية حول مخاطر المخدرات وحماية الشباب المجموعة الأردنية للمناطق الحرة والتنموية تنطلق بمشاريع استراتيجية وسياحية كبرى في 2026 وزارة الأوقاف تدعو الراغبين بأداء العمرة التحقق من اعتمادية الشركات اتحاد السلة يعتمد إجراءات تنظيمية لمباراتي الفيصلي والوحدات ويطلق "تذكرة العائلة" مياه اليرموك : إطلاق حزمة مشاريع لتعزيز التزويد المائي في إربد مرصد الزلازل الأردني يسجل زلزالا بقوة 4.1 درجة قبالة شواطئ اللاذقية السورية الإنجازات التاريخية لمنتخب "النشامى" ترفع القيمة السوقية للاعبين رئيس "النواب" يبحث والسفير المغربي تعزيز العلاقات المشتركة "اعترف بعضكم بدولة فلسطينية غير موجودة".. واشنطن تدافع عن إسرائيل بعد اعترافها بصومالي لاند حمد بن جاسم: "العرب لم يستوعبوا الدرس" العليمي يلغي اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات ويمهل قواتها 24 ساعة لمغادرة اليمن رئيس "الطاقة الذرية" والسفير الأميركي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية بحث إعادة تفعيل خط طيران مباشر بين الأردن والصين الفراية: مهندسون سيقيّمون مصبات المياه والعبّارات في الكرك لمعالجة المشكلات التربية: لا حذف أو تخفيف في المباحث الدراسية للصفين الحادي عشر والثاني عشر الأرصاد الجوية: تجاوز المعدلات العامة للهطل المطري بنسبة 7% الإمارات: الشحنة التي رست في اليمن لم تكن تحمل أسلحة وغير موجهة لأي جهة يمنية الجيش العربي .. حصاد العطاء والجاهزية في عام 2025

معركة فاصلة في التاريخ

معركة فاصلة في التاريخ
حلمي الأسمر

المعارك الفاصلة في التاريخ معدودة، وستكون "طوفان الأقصى" إحدى هذه المعارك التي ستغيّر مسار تاريخ الأمة بأسرها، فهي المرّة الأولى التي يتم فيها تمريغ أنف إسرائيل بالتراب من فصيل مقاوم يقع تحت حصار عربي ودولي برّاً وبحراً وجواً منذ نحو 15 عاماً، وهو ليس دولة، ولا يتوفر لديه ما يتوفر للجيوش النظامية من تمويل وتدريب وظروف لوجستية طبيعية، بل هو موضوع على قوائم "الإرهاب!" الغربية وبعض العربية (!) ولو توفر له مثل هذا الأمر لاجترح معجزة تتحدّث عنها الأجيال. ومع هذا، وبكل المقاييس، حقّق هذا الفصيل إنجازاً تاريخياً سيدرّس في الكليات العسكرية، وحقّق ما يلزم من شروط، كي تكون معركته التي أطلق عليها "طوفان الأقصى" من المعارك الفاصلة في التاريخ، ولا تحظى أي معركةٍ بمثل هذا الوصف إلا إذا غيّرت مجرى التاريخ، وأحدثت أثراً مفصلياً في حياة أهلها، وفي الوسع حشد جملة من العناصر هنا، كي نفسّر كيف كانت هذه المعركة فاصلة بالمعنى العلمي لهذا المفهوم.

أولاً، نجحت هذه المعركة في إعادة الروح للعقل الجمعي العربي، في ظرفٍ كان من أصعب الظروف التي مرّ بها العرب، حيث يرى المواطن العادي كيف تتهاوى أمام عينيه دولاً وجيوشاً عربية، بلغت حدّاً من الهوان أن شاركت تشكيلاتٌ منها في برامج تدريبية مع جنود العدو، فضلاً عن مباهاتها بعقد اتفاقاتٍ وشراكاتٍ أمنيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ، في وقت يبطش العدو بجزء من أبناء العرب بلا هوادة، ويشرع في مخطّطاتٍ عمليةٍ لاستباحة قبلة المسلمين الأولى، وبناء الهيكل فيما يسمّيه "جبل البيت"، فضلاً عن تنكيله غير المسبوق وبشكل يومي بأبناء الشعب الفلسطيني. ومع هذا، يجد العدو مكافأة على جرائمه من لدن أنظمةٍ ودولٍ يفترض أن تكون ملاذاً للمظلوم من أبناء الأمة، لا مصدراً للبطش به.

ما حققته المقاومة الفلسطينية في معركتها التي لم تزل دائرة بعث الأمل في نفوس الشعوب العربية التي أقنعتها هزائم النظام العربي الرسمي أنها حيال "دولة" صهيونية غير قابلة للهزيمة، لتأتي المقاومة وترسم صورة حقيقية لجنود من هذه الدولة، وهم يُجرّون كالخراف من رؤوسهم وبملابس النوم، وهي صورة ستكون "أيقونة" تُنعش العقل الجمعي العربي، وتشحذ همّته التي تآكلت بفضل خذلان النظام العربي الرسمي، ومشاركته في إيقاع الظلم بأبناء الشعب وقهره، كما تفعل "دولة" الاحتلال وربما أكثر، وإلا ما معنى أن يلقي نظام عربي رسمي براميل متفجّرة على أبناء شعبه؟

سيعيد "طوفان الأقصى" لفلسطين المكانة التي تستحقّها، بعد أن أدار لها الجميع الظهر، ولم تعد تثير اهتمام أحد

ثانياً، كسرت معركة "طوفان الأقصى" الصورة النمطية لدولةٍ غير قابلة للهزيمة، تحظى بمكانة "رفيعة" لدى ما يسمّونه المجتمع الدولي أو "العالم الحر"، وتتمتّع بدعم غير محدود من الغرب، باعتبارها المشروع الاستعماري الأثير له، والتي استثمر فيها مليارات الدولارات عبر ما يزيد عن سبعة عقود، مع توفير كامل الحماية الدولية لها في المحافل الأممية، وضمان عدم محاسبتها على أي جريمةٍ ترتكبها، ليأتي هذا الفصيل الخارج من تحت الحصار، ويرسم صورةً أخرى مغايرة لها، اجتهدت في بنائها عقوداً طويلة، وبدا أن هذه الدولة "العظمى"، وخلال ساعاتٍ معدودة، بدت كأي دولة فاشلة مهلهلة، سجّلت إخفاقاً عملياتياً وأمنياً وعسكرياً، رغم كل ما توفر لها من قوة "أسطورية". والحقيقة التي ربما تغيب عن أذهان كثيرين أن هزيمة إسرائيل هي هزيمة لكل من وقف وراء هذا المشروع، ودعَمه وتبنّاه وعاهده. وبمعنى أكثر وضوحاً، شكلت هزيمة إسرائيل صدمةً لأجهزة استخبارات الدول التي تقف وراءها، بل شعرت هذه الأجهزة بأن إسرائيل "خذلتها" على نحوٍ أو آخر، لأنها تعتمد عليها في تأدية دور تاريخي يهدف إلى إبقاء ما يحيط بها من بحر بشري عربي في حالةٍ دائمةٍ من التخلف والاستبداد والجوع والتفرقة والخذلان. وفي الوقت التي تتراخى فيها قبضة هذا المشروع الاستعماري، باتت مصالح من وراءها من نظام دولي غربي مهدّدة بشكل خطير، وهذا بالضبط ما فعلته "طوفان الأقصى" حيث أظهرت ذلك المشروع بحالةٍ صاعقةٍ من "الهشاشة"!

كسرت معركة "طوفان الأقصى" الصورة النمطية لدولةٍ غير قابلة للهزيمة، تحظى بمكانة "رفيعة" لدى ما يسمّونه المجتمع الدولي أو "العالم الحر"، وتتمتّع بدعم غير محدود من الغرب

ثالثاً، أنّ الفصيل الذي فضح الأسطورة الإسرائيلية يحمل فكراً إسلامياً، وينتمي في جذوره لمدرسة جماعة الإخوان المسلمين، الملاحقة محلياً ودولياً، "معضلة" أخرى لإسرائيل بوصفها مشروعاً استعمارياً، ولمن يموّله طبعاً. ما فعله هذا التنظيم ضرب مباشر وتحت الحزام لكل الجهود العربية والغربية والكونية لإنهاك أي قوة لأي تنظيم يحمل فكراً إسلامياً وتبديدها، لأن هذا الفكر بطبيعته "توسّعي" هاضم للآخر، بغير جهد تبشيري كبير. وحين يحقّق فصيل إسلامي "معجزة" تمريغ أنف إسرائيل بالتراب، فقد اجترح بهذا معركةً فاصلة، بدّدت كثيراً من الأوهام التي فتّت في عضد جماهير الأمة، ولها ما بعدها من آثار، بغض النظر عن النتيجة النهائية التي ستؤول إليها معركة طوفان الأقصى، فالمعركة حسمت من حيث نتائجها التاريخية منذ اللحظة التي اخترقت المقاومة الحصون التي اختبأت وراءها "الدولة" المشروع، سواء كانت حصوناً حقيقية بالمعنى الفيزيائي، أو حصوناً معنوية توفرها "قبيلة" الغرب الذي تسابق لرفع علمها ورسمه على رموز عواصمه.

أخيراً.. سيعيد "طوفان الأقصى" لفلسطين المكانة التي تستحقّها، بعد أن أدار لها الجميع الظهر، ولم تعد تثير اهتمام أحد، وما بعد هذا الطوفان لن يكون ما قبله، ولهذا هي معركة فاصلة، وسيذكرها التاريخ بهذا المعنى، وسيسجّل لها أنها أعادت بناء حلم تحرير فلسطين، وأخرجته من القصيدة الحالمة إلى الحقيقة الساطعة.
العربي الجديد