د.نسيم أبو خضير/ مدير الإذاعة الأردنية السابق
تعتبر الإذاعة الأردنية إحدى أبرز منارات الإعلام العربي ، حيث لعبت دورًا رياديًا في نقل صوت الأردن إلى مختلف أرجاء العالم العربي والدول الغربية المجاورة ، خاصة خلال ما يُعرف بالعصر الذهبي للإذاعة .
في تلك الفترة ، كانت الإذاعة الأردنية علامة فارقة في الجودة والإبداع ، بفضل ما تمتلكه من بنية تحتية متطورة ، وبرامج نوعية ، وكوكبة من المذيعين الموهوبين الذين حفروا أسماءهم في ذاكرة الوطن .
تمتعت الإذاعة الأردنية بقوة بث متميزة جعلتها تصل إلى الدول المجاورة وأبعد من ذلك ، حيث كانت رسائلها الإعلامية تغطي أخبار المنطقة وتعبر عن الهوية الأردنية ، وتتناول القضايا الوطنية والعربية برؤية واعية .
كانت الإذاعة منبرًا للتنوير ونشر القيم الوطنية والإنسانية ، مما جعلها محطة موثوقة للمستمعين الباحثين عن المصداقية والموضوعية .
كان العصر الذهبي للإذاعة الأردنية مرصعًا بأسماء مبدعين أسهموا في صنع تاريخها وتركوا بصمات لا تُنسى :
جبر حجات : صوت متميز وأداء جذاب ، إستطاع أن يترك بصمة خاصة في برنامج البث المباشر والأخبار .
سحوم المومني : رمز للإبداع ، تميز بأسلوبه وأدائه الرائع والراقي في الأخبار والبرامج السياسية ، الذي لامس قلوب المستمعين .
الحاج مازن القبج : الذي تميز ببرامجه الزراعية .
إبراهيم الذهبي : قامة إعلامية قدمت أعمالاً ذات عمق وإحترافية في الأخبار .
علي غرايبة : صاحب الأداء القوي والنبرة الحماسية التي ألهبت مشاعر المستمعين في البرامج الوطنية والإخبارية .
محمود أبو عبيد : رمز للتوازن والرصانة ، قدم العديد من البرامج المنوعة بنجاح .
موسى عمار : أثرى المكتبة الإذاعية بتقديمات مبدعة تميزت بالحداثة والإبتكار في البرامج الإخبارية والمسلسلات الإذاعية .
عائشة التيجاني : أيقونة إعلامية جمعت بين الحضور القوي بأدائها الرائع ، والروح الأردنية الأصيلة .
كان لهؤلاء المذيعين قدرة إستثنائية على جذب الجمهور من خلال الأداء المتميز ، والنبرة الواضحة ، والتفاعل الحي مع القضايا المطروحة . ساهمت أصواتهم القوية والواثقة في تعزيز مكانة الإذاعة الأردنية كمنبر وطني يدافع عن قضايا الأمة .
لايمكن الحديث عن الإذاعة الأردنية دون الإشارة إلى دورها في توثيق التراث الأردني، حيث نقلت الأغاني الشعبية والأهازيج الوطنية ، وعرّفت الشعوب على الثقافة الأردنية الأصيلة . كما لعبت دورًا بارزًا في تشكيل الوعي الجمعي خلال الأحداث الكبرى ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية .
الإذاعة الأردنية ، التي كانت وما زالت رمزًا للإعلام الوطني ومرآة الهوية الأردنية ، تواصل مسيرتها بخطى ثابتة نحو التميز ، مستندة إلى تاريخها العريق في تقديم برامج هادفة ومحتوى راقٍ . ومع تطور المشهد الإعلامي العالمي ، لم تتوقف الإذاعة الأردنية عند نجاحاتها الماضية ، بل عملت على التوسع والتجديد لتواكب العصر وتلبي تطلعات المستمعين .
اليوم ، تضم مؤسسة الإذاعة الأردنية خمس إذاعات تقدم محتوى يلبي احتياجات وتنوع المستمعين، وهي :
١ . إذاعة البرنامج العام : الإذاعة الأم التي تحمل إرث الإعلام الوطني وتواصل تقديم برامج وطنية سياسية وثقافية وإجتماعية تعكس قيم المجتمع الأردني .
٢ . إذاعة القرآن الكريم : منبر للخطاب الديني الوسطي والروحانيات والأخلاق ، تقدم تلاوات قرآنية عذبة ، وبرامج تثقيفية عن الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة .
٣ . إذاعة عمان FM : وجهة الشباب ومحبي الثقافة والمنوعات ، تجمع بين الحداثة والترفيه الراقي .
٤ . الإذاعة الأجنبية : جسر للتواصل مع العالم ، تقدم برامج موجهة للناطقين باللغات الأجنبية في الأردن وخارجه .
٥ . إذاعة إربد : صوت الشمال ، تسلط الضوء على قضايا وهموم المواطنين في المحافظات الشمالية وتعزز الهوية المحلية .
خطط استراتيجية للارتقاء بالمؤسسة :
تسعى إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ، ومتابعة حثيثة من معالي وزير الإعلام والإتصال بتنفيذ توجيهات جلالة الملك عبدالله بن الحسين ، لتعزيز الدور الريادي للإذاعة الأردنية من خلال خطة إستراتيجية شاملة . تشمل هذه الخطة :
التحديث التكنولوجي : إدخال تقنيات البث الحديثة لضمان وصول الإذاعات بجودة عالية إلى كل مكان .
تنويع المحتوى : إطلاق برامج جديدة تلبي إهتمامات الأجيال المختلفة ، مع التركيز على القضايا الوطنية والتنموية .
التدريب والتأهيل : الإستثمار في الكوادر الإعلامية من خلال برامج تدريبية متقدمة لرفع مستوى الأداء .
التوسع الإقليمي والعالمي : تعزيز الحضور الإذاعي الأردني في الخارج من خلال محتوى يبرز الثقافة الأردنية ويعزز العلاقات الدولية .
دعم المبادرات الوطنية : مواكبة خطط الدولة التنموية من خلال برامج توعوية وتحفيزية تساهم في دعم قضايا المجتمع .
بفضل هذا التنوع والجهود المستمرة ، أصبحت الإذاعات الأردنية منصة موثوقة تحظى بإعجاب جمهور واسع داخل الأردن وخارجه . وقد أثبتت هذه الإذاعات قدرتها على المنافسة في سوق الإعلام ، مع المحافظة على هويتها الأصيلة ورؤيتها الوطنية .
الإذاعة الأردنية ليست مجرد أداة إعلامية ، بل هي نبض الوطن وصوته الذي يعبر عن آماله وطموحاته . ومع وجود خطة إستراتيجية طموحة ، ستبقى هذه المؤسسة الإعلامية الرائدة في صدارة المشهد الإعلامي ، مستنيرة بإرثها العريق وماضية نحو مستقبل واعد .