![الرواشدة يكتب : ما المطلوب من الأردن في المرحلة القادمة؟](/assets/2025-02-09/images/393515_1_1739098996.jpeg)
حسين الرواشدة
لا يوجد مصلحة لأي طرف بزعزعة أمن الأردن واستقراره، كما لا يوجد أي مصلحة للأردن باستعداء أي طرف أو الصدام معه ؛ على مدى أربعة عقود ، على الاقل ، قدمنا انفسنا كرافعة للاعتدال في هذه المنطقة ، وقمنا بأدوار سياسية وإنسانية حظيت باعتراف العالم واحترامه، الآن يمكن للأردن الذي بقي " الواقف" الوحيد ، في منطقة تهدمت وافتقدت الأمن والاستقرار، أن يعيد " وزن" عناصر قوتة واكتشافها، وهي كثيرة ، للمقايضة بين ما يُراد له أن يدفعه من أثمان سياسية باهضة، وبين ما يمكن أن يقوم به من أدوار التي تخدم مصالحه اولاً ، وتجنب المنطقة مخاطر الفوضى التي لن يسلم منها أحد.
صحيح ، من واجبنا أن نتحوط ونستعد لأسوأ السيناريوهات ؛ الرسائل التي وصلتنا من واشنطن كانت صادمة ، التحولات الكبرى التي جرت بعد 7 أكتوبر وضعتنا في دائرة الاستهداف، المرحلة التي تعاملنا فيها مع ترامب ، بنسخته الأولى ، كانت مقلقة ، اليمين الصهيوني (بقيادة نتنياهو) لا يضمر لنا خيرا ولا يرانا إلا أرضاً فارغة لتصريف أزماته..، لكن الصحيح ، أيضا، أننا أمام معركة سياسية فرضت علينا ، ويجب أن نخوضها بعقلانيه وهدوء ، وصفة التطرف في مواجهة التطرف غير مفيدة ، وسلاح الانتصار في مواجهة الإصرار على الثوابت والمصالح الأردنية العليا هو المنطق السياسي الحكيم ، وفي تقديري أننا نملك هذا السلاح وجربناه ، ولا بد أن نجربه في هذه المرحلة الخطيرة.
يبقى السؤال الأهم : هل أصبح مشروع التهجير قدراً لا مفر منه ؟ الإجابة -بتقدري - لا ، عصا التهجير التي تلوح بها واشنطن وتل أبيب تجاه الأردن ،تحديدا، تشير إلى اتجاهات أخرى ، أقصد أهدافا تتعلق بأدوار مطلوبة من الأردن في سياق محاولات صناعة شرق أوسط جديد ، إذا اردنا أن نفهم أكثر فإن عملية التهجير (من غزة اولاً ) تستند إلى محددين اثنين : رغبة الفلسطيني بالخروج من أرضه، وتوفر جغرافيا تستقبله وتوطنه، الرغبة مشكوك فيها تماما، والجغرافيا موجودة في أكثر من مكان (دول عديدة لا تمانع)، الأردن ليس مطروحا بشكل جدي للقيام بذلك ، وهو يرفض الفكرة بالمطلق، ويعتبرها انتحاراً سياسياً.
ما هو المطلوب ، إذن، من الأردن في المرحلة القادمة؟ الإجابة ، بدون الدخول بالتفاصيل، الانصهار والتكيف والاندماج مع مشروع تصفية القضية الفلسطينية وترسيم خرائط النفوذ في المنطقة ، نقطة الانطلاق هي الضفة الفلسطينية ، سواء من خلال إعادة طرح الخيار الأردني ، أو الفيدرالية والكونفدرالية، لا يمكن للأردن أن يقبل أو يقوم بهذه الأدوار ، وعليه سيواجه بضغوطات التهجير القصري ، ولديه، وفق معلومات ، ما يلزم لمواجهتها ، لكن هنالك أدوار ، ربما، يمكن للأردن القيام بها للخروج من حالة الصدام إلى حالة التكييف ، أهمها الملف الإيراني العابر للحدود (سوريا والعراق )، لدينا ورقة "الشيعة " التي نمتلك خبرة في التعامل معها، هذه مهمة في ترتيب الحالة السياسية القادمة في العراق وإيران ، والمنطقة أيضا.
المرحلة القادمة ستكون مزدحمة بالأحداث والمفاجآت ، المناورات السياسية لن تكون سهلة ، التحديات الكبرى قد تطرح فرصاً إذا تمكنا من التعامل معها بأوراق قوة وخطاب عقلاني مقنع ومؤثر ، الأردن ليس رقما بسيطا في معادلات المنطقة والعالم، المهم أن نملك قرار الصمود وديناميكيات المبادرة ، وأن نخرج من افتراضات المرحلة السابقة التي وضعتنا في مربع المواجهات ، لا في مربع المشاركات والمفاوضات ، وان نبدأ بتغيير أدواتنا السياسية للتعامل مع واقع جديد يحتاج إلى خطاب جديد، عندها أتوقع أننا قادرون على تجاوز ما نخشاه بأقل ما يمكن من خسائر.