
حسين الرواشدة
بصراحة ، يدفع العرب والفلسطينيون الثمن السياسي لما جرى منذ 7 أكتوبر ، قمة فلسطين التي عقدت في القاهرة كانت خطوة في طريق وقف "التدهور " ، ومحاصرة الهجمة التي قامت بها ،وما تزال ، تل أبيب ، برعاية أمريكية ودولية ، لتصفية القضية الفلسطينية ، وتوزيع استحقاقات هذه التصفية وخسائرها على الفلسطينيين والدول العربية ، الأردن ومصر تحديدا .
لا يكفي الرهان ، فقط ، على ما أنجزته القمة ، أقصد خطة إعمار غزة كرد على التهجير والتهديد باستئناف الحرب ، لكن يمكن الانطلاق منها ، من خلال بناء مواقف عربية وترميم الواقع الفلسطيني، لمقايضة مشروع ترامب وحلفائه بمشروع عربي قابل للحياة ، وقادر على فهم معادلة التحولات التي جرت في العالم والإقليم ، والتعامل معها بمنطق الهجوم السياسي المدروس، لا منطق الصدام او انكار الواقع القائم.
الخطة العربية سيتم وضعها على طاولة التفاوض ، وهي قابلة للتعديل ، تل أبيب رفضتها على الفور ، وحماس تحفظت على بعض بنودها، وربما يكون لواشنطن اشتراطات إضافية عليها ، بدون أن نرفع سقف التوقعات لابد أن نتصارح داخل الإطار العربي والفلسطيني حول الترتيبات السياسية والأمنية التي تشكل عصب الخطة، وتفتح أمام جميع الأطراف قابلية الاقتناع بها ، لبدء مشروع التعمير ، وطيّ صفحة التهجير ، وتكسير مستلزمات تمرير مشروع (أسرلة) المنطقة عبر صفقة قرن جديدة.
أسئلة مثل إدارة غزة ، ومصير حماس ، وإنهاء عسكرة المقاومة ، ومستقبل السلطة الفلسطينية وإمكانية إصلاحها ، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني ، تحتاج إلى إجابات فلسطينية أولا وعربية ثانيا ، صحيح القضية الأساسية هي الاحتلال وما فعله من جرائم في غزة والضفة منذ 75 عاما ، صحيح ، لا يمكن لأحد أن يطالب الفلسطينيين بالتنازل عن حقوقهم المشروعة ، أو الاستسلام والقبول بأي عرض يصب في مصلحة تل أبيب ، وينجز لها ما عجزت عن انجازه في حرب الإبادة التي قامت بها في غزة والضفة.
لكن الصحيح ، أيضا ، هو أن الخيارات المتاحة لاستئناف المقاومة وفرض شروطها أصبحت محدودة ، كما أن مواجهة مشروع الحرب ودفع فواتيره السياسية التي نعرف من يقف وراءها ، يحتاج إلى استيلاد واقع عربي وفلسطيني جديد ، غير متوفر الآن ، وبالتالي لابد أن نعترف أننا لسنا جاهزين لهذه المواجهة ، ولا لدفع ما يترتب عليها من خسارات كبيرة ، هذا الاعتراف يتم تداوله في الغرف المغلقة، ويُستدعى غالبا لتوجيه النقاش حول ضرورة التفكير بواقعية أكثر ، وتقدير المواقف السياسية بحسبة عقلانية مجردة من العواطف والطموحات الكبيرة .
قمة فلسطين لم تطرح كل الأوراق على سكة خطة الأعمار، وتعمدت ، كما يبدو ، أن لا تقدم الأثمان السياسية التي تريدها واشنطن وتل أبيب دفعة واحدة ، لكن يبدو أن ماراثون التفاوض سيبدأ الأسبوع القادم مع الأطراف الدولية ، وربما يحمل مفاجآت وأفخاخاً تشكل امتحاناً لقدرة الدول العربية على المناوره السياسية وتلقي الصدمات ، وعلى تقديرحسبة الأرباح والخسائر في بورصة تديرها واشنطن الجديدة ، وتغامر فيها تل أبيب ، ونجلس -كعرب وفلسطينيين - أمام شاشاتها بأقل ما يمكن من أرصد سياسية ، هذا هو الواقع الذي نحن فيه للأسف ، ولابد أن نحدد الوصفة المتاحة للتعامل معه، بلا تزيين أو إدعّاء أو إنكار.