القلعة نيوز:

احمد عبدالباسط الرجوب.

في 22 مارس / اذار 2025، يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه تحت شعار "الحفاظ على الأنهار الجليدية"، وهو الشعار الذي يعكس أهمية الحفاظ على هذه المصادر المائية الحيوية التي تتعرض للتهديد نتيجة لتغير المناخ. إن الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد مناسبة لتسليط الضوء على الأهمية الكبيرة للمياه في حياة البشر، بل هو دعوة عاجلة للعمل المشترك لمواجهة أزمة المياه التي باتت تهدد مستقبل الأجيال القادمة.

(1) تحديات ذوبان الأنهار الجليدية

تذوب الأنهار الجليدية بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، نتيجة للاحتباس الحراري الذي يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض. هذا التغير المناخي يؤثر بشكل مباشر على دورة المياه، مما يؤدي إلى تغييرات في تدفقات المياه الناتجة عن ذوبان الجليد. هذه التغيرات تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية مثل الفيضانات، موجات الجفاف، انهيارات أرضية، وارتفاع مستوى سطح البحر. إن هذه التأثيرات تؤثر على حياة مليارات الأشخاص حول العالم، وتؤدي إلى تدمير العديد من المجتمعات والنظم الإيكولوجية.

من خلال التكيف مع آثار تغير المناخ، يمكننا حماية الأرواح والحد من تأثيرات التغيرات المائية. لكن هذا يتطلب منا العمل بسرعة لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، بما يسهم في إبطاء عملية انحسار الأنهار الجليدية وحماية مصادر المياه الطبيعية من التدهور السريع.

(2) المياه وتغير المناخ: تحديات مستمرة

لقد أصبح التداخل بين المياه وتغير المناخ مسألة في غاية الأهمية. تشير التقارير العالمية إلى أن أكثر من مليارين من البشر لا يحصلون على مياه شرب آمنة، وهذا الرقم مرشح للزيادة بسبب تدهور الموارد المائية نتيجة لتغير المناخ. كما أن العديد من المناطق، خاصة في الدول النامية، تعاني من نقص المياه الصالحة للاستخدام اليومي. وبينما يتزايد الطلب العالمي على المياه، من المتوقع أن يتضاعف هذا الطلب على المياه بنسبة 50% بحلول عام 2040، مما يضع ضغوطًا متزايدة على الموارد المائية.

(3) الصراعات على المياه:

أ‌. حالة الشرق الأوسط

المياه، أو "الذهب الأزرق" كما يطلق عليها، أصبحت من أبرز القضايا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في الدول التي تعاني من شح الموارد المائية، مثل الأردن وسوريا. ووار، خاصة الأردن الذي يعتمد بشكل كبير على المصادر المائية المشتركة مع سوريا

الصراع على المياه يمثل تهديدًا خطيرًا في العديد من المناطق حول العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. في ظل النزاعات المستمرة، أصبح التحكم في مصادر المياه أحد أبرز العوامل التي تؤجج الأزمات. المثال الأبرز هو الصراع المستمر حول مياه نهري اليرموك ونهر الأردن، حيث تؤدي سياسات الاحتلال الكيان الصهيوني إلى تقليص حصة الأردن من المياه، مما يزيد من تعقيد أزمة المياه في المنطقة. كما أن احتلال مناطق مثل هضبة الجولان من قبل الكيان الصهيوني قد أسهم في التحكم غير المباشر في تدفقات مياه نهر اليرموك، مما يهدد إمدادات المياه الحيوية للأردن.

ب‌. البعد السياسي والاقتصادي لأزمة المياه

تشكل الصراعات على المياه أحد التحديات الكبرى التي تواجه العديد من الدول، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. من النزاعات حول مياه نهري اليرموك ونهر الأردن وسد النهضة الإثيوبي بين مصر واثيوبيا إلى الصراعات المائية حول نهر الفرات بين تركيا والعراق وسوريا، تبرز الحاجة الملحة للتعاون الدولي لحل هذه القضايا وضمان الوصول العادل للمياه. إن السيطرة على مصادر المياه تؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، وتزيد من حدة التوترات الإقليمية.

إن المياه ليست مجرد سلعة طبيعية، بل هي حجر الزاوية في تحقيق الأمن السياسي والاقتصادي. في العديد من المناطق التي تعاني من نقص المياه، تتجسد المياه كعامل رئيسي في إشعال الصراعات السياسية والتوترات بين الدول. من هنا، يتضح أن إدارة الموارد المائية تعد قضية ذات بعد استراتيجي بالغ الأهمية.

على الصعيد الاقتصادي، إن استمرار أزمة المياه سيتسبب في زيادة الضغط على القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والطاقة. إن تدهور الموارد المائية سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية الزراعية، مما يعمق أزمة الأمن الغذائي، في الوقت الذي تشهد فيه العديد من الدول زيادة في الطلب على المياه لأغراض الري والزراعة. كما أن الصناعات التي تعتمد على المياه مثل إنتاج الطاقة النظيفة ستتعرض لضغوط هائلة.

(4) قضايا المياه في الوطن العربي

تعد قضايا المياه في الوطن العربي من أبرز التحديات التي تواجه الدول العربية، خاصةً فيما يتعلق بالمياه المشتركة العابرة للحدود. وفيما يلي استعراض مختصر لهذه القضايا:

1. نهر النيل: يعد نهر النيل من أبرز مصادر المياه في مصر والسودان، حيث يواجه تحديات كبيرة بسبب بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي أثار قلق مصر والسودان بشأن تقليص حصصهم من المياه. هذا النزاع يتطلب التوصل إلى اتفاقيات عادلة لضمان الاستخدام المنصف لمياه النيل.

2. نهر الفرات: يمر نهر الفرات عبر تركيا وسوريا والعراق. مع بناء تركيا لسدود ضخمة على النهر، مثل سد أتاتورك، كانت هناك مخاوف بشأن تقليل كمية المياه التي تصل إلى العراق وسوريا، مما أثر على الزراعة والموارد المائية في هذه البلدان.

3. نهر اليرموك: يعد نهر اليرموك الحدود بين الأردن وسوريا، ويعاني من تحديات بسبب مشروعات البناء على النهر في سوريا، بالإضافة إلى التدهور البيئي وقلة الأمطار. إن سيطرة الكيان الصهيوني على الموارد المائية الحيوية لحوض نهر اليرموك، بما في ذلك سد الوحدة الاستراتيجي، تزيد من حدة التوترات في المنطقة. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الكيان الصهيوني تسيطر الآن على نحو 40 في المائة من الموارد المائية المشتركة بين سوريا والأردن. وهذه الخطوة تأتي في إطار توسيع الاحتلال الصهيونيي للأراضي السورية.

4. نهر الأردن: يتدفق نهر الأردن بين فلسطين والأردن وسوريا. يُعد أحد أبرز الأنهار في النزاعات السياسية في المنطقة، حيث يؤثر على العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول العربية بسبب السياسات المائية لدولة الكيان الصهيوني ، لقد بدأت الكيان الصهيوني تشغيل محطة ضخ لتحويل المياه من بحيرة طبريا إلى الناقل القطري لدولة الاحتلال في عام 1964 لتزويد مناطق الاحتلال بالمياه للزراعة والاستخدام المنزلي خاصة في مناطق المستعمرات الصهيونية في فلسطين المحتلة، مما يعوق تحقيق التفاهمات بشأن حصص المياه. تستخدم مياه النهر بنسبة 70 إلى 90 بالمئة لأغراض بشرية في عصرنا الحديث، كما تم تقليل معدل التدفق بصورة واضحة. نتيجةً لذلك، ونتيجةً لارتفاع معدل التبخر في البحر الميت، والاستخراج الصناعي للأملاح من خلال برك التبخر، يتضائل البحر الميت بصورةٍ سريعة.

5. نهر السنغال: يتقاسم هذا النهر عدة دول من بينها الجزائر، موريتانيا، والسنغال. يشكل تحديات في التعاون المائي بين هذه الدول، حيث تحتاج إلى تنظيم الاستخدامات المائية بشكل مشترك لتفادي النزاعات وضمان التنمية المستدامة في المنطقة.

(5) الخاتمة: البعد السياسي والاقتصادي

إن الاحتفال باليوم العالمي للمياه 2025 ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو دعوة ملحة للعمل الدولي المشترك. يجب على الحكومات والمؤسسات الدولية أن تتبنى سياسات فعالة تضمن الإدارة المستدامة لموارد المياه، وتخفف من آثار تغير المناخ. إن التعاون بين الدول في مجال المياه يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويحقق التنمية المستدامة. ومن خلال الالتزام الجماعي بحماية الأنهار الجليدية ومصادر المياه، يمكننا بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة وضمان حق الجميع في الوصول إلى المياه النظيفة.

إن اليوم العالمي للمياه لعام 2025 يأتي في وقت حرج، حيث يواجه العالم تحديات كبيرة مرتبطة بتأثيرات تغير المناخ على الموارد المائية. وتستمر الأزمة في التفاقم إذا لم يتم التحرك بسرعة لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة وحماية الأنهار الجليدية. يجب أن تتخذ الحكومات خطوات فعالة لمعالجة الصراعات على المياه، وتبني سياسات مائية مستدامة تعزز التعاون بين الدول لتفادي المزيد من الأزمات.

خبير استراتيجيات المياه - الاردن