
هل أنا مهم؟؟
القلعة نيوز ـ
هل نسعى لخلق شعور من المواطنة أم نسعى لخلق شعور من الإنتماء، ولماذا نشعر بأن البعض يعامل الوطن بالمنفعة والتكسب، مهما قدم الوطن له فلن يرى إلا ما لم يأخذه هو، يا هذا رفقا بنفسك وبغيرك، هذا الشعور يخلق حالة مرضية عند الإنسان، ولن يستطيع أن يشعر معها بالفضل، فضلا عن أن يشعر بالإنتماء، وربما لن نصل إلى مفهوم المواطنة الذي نسعى إليه في عالمنا العربي، لأن هناك في رؤوس الكثيرين نماذج مختلفة للمقارنة، وهذا النماذج تمتد من المدينة الفاضلة في المدينة المنورة إلى يومنا، حيث تلك الصورة المشرقة للعدالة والمساواة والتكافؤ في الفرص، وفي توزيع الثروة وفي إمكانية الوصول إلى المناصب والمكاسب وغيره الكثير.
ولكن هل ننسى أن أبو ذر رضي الله عنه وهو من هو، في السبق والسيادة في قومه والأصل والعزة والمنعة طلب الإمارة ولم ينلها، هل ننسى أنه مرت أيام على الصحابة الكرام كانوا لا يجدون ما يملؤون به بطونهم، وهذا أبو هريره يخدم الرسول صلوات ربي عليه بما يملأ به بطنه، وهل ننسى أن الكثيرين من صحابته الكرام لم ينالوا إمارة ولا قيادة ولا منصبا، وهل ننسى أن الرسول صلوات ربي عليه وزع المغانم في الكثير من الغزوات بناء على المصلحة العامة للدعوة، وفي غزوة حنين أعطى المؤلفة قلوبهم حتى راجعه الانصار في قضية التوزيع ليس إعتراضا طبعا ولكن سؤالا، وهنا قال لهم ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صل الله عليه وسلم، ولكن كان هناك إيمان بهذا المنهج بهذه الرسالة وبهذا الرسول صلوات ربي عليه، ألم يقل أبو بكر رضي الله عنه إن كان قال فقد صدق، وكان هناك رضى عام عند الصحابة طبعا، وكان هناك إخلاص في العمل والجهاد والتطوع والخدمة، نعم كان هناك في المقابل عدالة في توزيع الفيء والمغانم وفي المغارم ايضا، ولكن هذه العدالة لم ترضي الكل حتى ممن حسن إسلامه، وهنا لو كانوا هم أهل الدنيا لطلبوا الشاة والبعير ولما رضوا بهذه القسمة كما حدث مع الكثير من المنافقين، ومن تلك الفئة التي لم يستقر الإيمان في قلوبهم، هذه الفئة من المرتجفة عقولهم وافكارهم وانتماءاتهم ما أدركوا عظمة هذا الدين ولا هذا المنهج، ولا الطريق الذي يخطه للبشر ليخرجهم من الظلمات إلى النور، هؤلاء علقوا في القشور ولم يصلوا إلى لب هذا الدين، إلإيمان الذي وقر في صدور الصحابة، عظم في أنفسهم رسول الله ودعوته وعودته إلى المدينة والفوز به دون غيرهم، ما أسلم من لم يُسلم أمره ودينه وإيمانه لله، هؤلاء لن يقفوا عند تقسيم وأموال، فهذا يدفع من ماله وجهده وحتى نفسه في سبيل الله، ولكن من سعى إلى دنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها هل يرضيه ما يرضي الله ورسوله.
أسوق هذا الكلام عن أفضل فترة عاشها البشر، وليس عمّا حدث بعدها من أحداث جسام في تاريخ العالم الإسلامي، ولا أقول هذا الكلام لأنتقث مما قام به المسلمون بعد رسول الله صل الله عليه وسلم، ولكن ليتم وضع الميزان لكافة الأحداث التي حدثت بعدها، وستبقى الحضارة الإسلامية برغم ما قام به البعض من تجاوزات للمنهج الذي أراده الله، ذلك النبراس الذي أشعل للبشرية منارات مضيئة تعطي البشرية أمثلة حية عن صور العدل الإنساني والحضارة والمدنية، والصور الفاضلة للعدالة في الحكم والتطبيق بين مختلف الطوائف والفئات والأديان من البشر، والتي ساهمت بنقل البشرية درجات عديدة للإمام، ونعم تأثرت الحضارات الأخرى بما رأت من عدل الإسلام ورحمته ومساواته بين إبنائه، ومع غيرهم ممن عاش معهم أو تعاملوا معه، وتأثرت بالنظم والقوانين التي إستنبطها وطبقها و شرعها الفقهاء المسلمون من شريعة ربهم، وساهمت بخلق نظم إجتماعية عز نظيرها، وقل من قام بها حتى بعد أن زعم الغرب أنه تطور وتحضر وتمدن، وبرغم كل ذلك بقيت الصور المشرقة التي قام بها المسلمون عصية على هؤلاء، وبعيدة عن منالهم.
هل نقتنع بأن الأرض لم تكن فاضلة في يوم من الأيام، وأن من واجبنا جميعا أن نسعى لنعيد الدين إلى الحياة، وليس إلى السياسة فقط، لأن المسلمين هم أول من خسر بإنحطاط قيم الإسلام في حياتنا، وخسر بعدهم العالم هذه القيم، وما تعيشه البشرية اليوم، وما عاشته في القرون السابقة، ما هو إلا ضريبة إبعاد الدين الإسلامي عن حياة البشر، وحتى تلك المعاناة التي كانت في القرون التي حكم فيها الإسلام جزئيا عبر أنظمة حكم تقترب وتبتعد عن المنهج الإسلامي، كان بسبب عدم التطبيق الكامل للمنهج الإسلامي.
فالمواطنة واجب ومن ثم حقوق، وليس الإنتماء للوطن إنتقاص من الإنتماء للأمة ودينها، بل هو برأي الكثيرين الطريق للوصول إلى أمة الإسلام عبر إعادة الواجب إلى الإنسان المسلم وتفعيل دوره في مكانه، ومن بعد ذلك تجتمع تلك الجهود لخلق تيار ضخم من هذه الملايين يخدم قضايا الأمة في اي مكان، فهذه الجموع أن صح منهجها صح إلتزامها، وإن صح إلتزامها صح سلوكها، وإن إنضبط سلوكها بما يريد الله، فهي قوة عظيمة قادرة على تحقيق منهج الله في الأرض، وقادرة على تحقيق العدل الذي يريده الله هنا، والله ترك أمر تحقيقه لنا، لتكون إبتلاء وإمتحان للإنسان هل قام بالمنهج ام لا.
ولذلك من سعى لمواطنة بحقوق بلا واجبات، فلن يرضيه حتى منهج النبوة، وهذا ما حصل مع طعمة بن إبيرق في قصة الدرع المسروقة ومحاولة اتهام الي،هو،،دي بها، ثم نزل حكم الله في عدم المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم، وما كان من هذا إلا أن أرتد أو أتضح موقفه وإلتحق بالكفار، لذلك الدول التي يقدم بها المواطنون الواجب على الحقوق هي التي تحقق الإنتصار ورغد العيش لمجموعها، وهنا لا بد من إيمان حتى تتحقق التضحية، ولذلك بناء الفرد المؤمن المدرك لواجباته هو الطريق لتحرير الأوطان والأمة بمجملها من هذا الظلم الواقع عليها.
إبراهيم ابو حويله...