
*"تغيير النظام في إيران": دلالات التصعيد وحدود المواجهة*
*د. عبدالله حسين العزام*
شهد الخطاب السياسي الإسرائيلي، تحول لافت منذ الساعات الأولى من المواجهة العسكرية مع إيران، إذ أعلنت مصادر مسؤولة في حكومة بنيامين نتنياهو أن "تغيير النظام في إيران" بات أحد أهداف الحرب الإسرائيلية تجاه إيران، هذا التحول حمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، وكشف عن الإنتقال الإسرائيلي من استراتيجية "الردع" و"الاحتواء" إلى نهج "الهجوم الوقائي الاستراتيجي"، في ظل بيئة إقليمية ودولية مضطربة ومعقدة.
من الناحية التاريخية، إعتمد كيان الإحتلال الإسرائيلي على أدوات متعددة لاحتواء ما تسميه بـ"الخطر الإيراني"، شملت العقوبات الدولية، والهجمات السيبرانية، والاغتيالات الموجهة، إضافة إلى التنسيق مع الغرب بشأن الملف النووي، لكن الحديث عن إسقاط النظام الإيراني ينقل المواجهة إلى طور جديد، حيث لم يعد كيان الإحتلال يكتفي بإضعاف القدرات الإيرانية، يسعى إلى اقتلاع النظام نفسه باعتباره مصدر الخطر الوجودي!.
من ناحية أخرى تضمن خطاب كيان الإحتلال رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من حيث أن تل أبيب قد تمضي في خياراتها العسكرية منفردة، إذا ما شعرت أن الدبلوماسية الغربية لم تعد قادرة على كبح طموحات طهران النووية والإقليمية، كما تعكس هذه التصريحات ضغطاً نفسياً وإعلاميا على واشنطن لتبنّي استراتيجية أكثر صرامة تجاه النظام الإيراني على المدى.
علاوة على ذلك ومن خلال التلويح بتغيير النظام، يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى ضرب الشرعية الداخلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودفع قوى المعارضة في الداخل والخارج إلى التحرك، وصناعة تصدعات في البنى الاجتماعية والسياسية الإيرانية، إلا أن هذا النهج قد يثير آثاراً عكسية، إذ يعزز تماسك التيارات المتشددة في مواجهة "العدو الخارجي".
بالإضافة إلى ذلك فإن الحديث عن تغيير النظام لا يقتصر على إيران وحدها، بل يستدعي تدخل حلفائها الإقليميين بدءاً من حزب الله في لبنان، إلى الحوثيين في اليمن، مروراً بالميليشيات الموالية لإيران في العراق، وبقايا أذرعها في سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى إشعال حرب متعددة الجبهات، تخرج عن السيطرة وتُهدد الأمن الإقليمي برمته، بما في ذلك أمن الخليج.
في الأدبيات الواقعية للعلاقات الدولية، فإن تغيير النظام هو أحد أخطر أشكال التدخل الخارجي، سيما وأن ذلك يترتب عليه تداعيات معقدة، كما أن التجارب السابقة كالعراق 2003 مثلاً أثبتت أن إسقاط الأنظمة لا يعني بالضرورة تحقيق الاستقرار، وبالتالي، فإن المراهنة على انهيار نظام يتسم بالقوة ومتشعب كمؤسسة الدولة الإيرانية، دون رؤية واضحة لليوم التالي، قد تكون مغامرة استراتيجية محفوفة بالمخاطر، إذ أن تغير الخطاب حفز إيران على التخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي واللعب على التناقضات الدولية وعزز توجهاتها نحو إبراز واستخدام قدراتها العسكرية على الأرض كما شوهد الدمار الكبير في تل أبيب الكبرى وبات يام جنوباً وحيفا واستهداف المقار العسكرية ومعهد وايزمان للعلوم ومحطات الوقود والكهرباء وغيرها العديد، بالصواريخ والمسيرات الإيرانية ورَدّ الاعتبار لها كقوة إقليمية ومواصلتها الثأر بالحديد والنار رداً على اغتيال الصف الأول في الجيش والحرس الثوري والعلماء النوويين واستهداف المواقع النووية والعسكرية.
أخيراً يمثل تصريح كيان الإحتلال بتغيير النظام الإيراني نقطة تحول في مسار الصراع، لكنه في ذات الوقت يفتح الباب على احتمالات غير محسوبة، تتراوح بين التصعيد المحدود والانفجار الإقليمي الكبير، وسط التنافس النووي بين الإحتلال الإسرائيلي وإيران، وبشكل يمسّ مستقبل الأمن الإقليمي واستقرار الشرق الأوسط، فبينما تراهن تل أبيب على تقويض النظام الإيراني، تبقى طهران بدورها على استعداد لتوسيع رقعة المواجهة، ما يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية التدخل لضبط الإيقاع وتفادي الأسوأ القريب بالمنطقة، خصوصاً في ظل تواصل الصراع المحتدم والمدمر بين الطرفين.