
ما الذي يحدث في الداخل الاميريكي؟
القلعة نيوز: المحامي معن عبد اللطيف
العواملة
سؤال يتبادر
الى اذهان الكثيرين حول العالم ممن يتابعون الاعلام العالمي و الاميريكي الا و هو
ما الذي يجري في الداخل الاميريكي؟ فالصورة مرتبكة الى حد كبير. فكيف للدولة
الاقوى و الاغنى في العالم ان تبدو في حالة فوضى، خصوصا مع الشعور بان الصراعات السياسية
الداخلية تبدو عبثية و حركاتها بهلوانية و غير مفهومة.
الولايات
المتحدة جمعت مهاجرين من حول العالم بما يسمى "الحلم الاميريكي"، و الذي
يتلخص بالعدالة و مساواة الفرص. اذ انه يمكن لاي شخص بغض النظر عن خلفيته العرقية
او الدينية او الطبقية او التعليمية ان يرتقي، بالجهد وحده، السلم المجتمعي
الاقتصادي و السياسي من ادناه الى اعلاه من غير عوائق هيكلية، و على قاعدة ان لكل
مجتهد نصيب. و كان هذا الشعار من اكبر الحوافز للاجتهاد الفردي في الولايات
المتحدة، مع انه لم يكن على ارض الواقع حقيقي 100%، و لكن المهم انه كان مقنعا
للغالبية العظمى من الناس مما ادى الى طفرات في الازدهار و النمو المستدام.
ما حدث خلال
الثلاثين عاما الماضية و بشكل تدريجي، و بالارقام، ان هذا الحلم اصبح مهددا و بشكل
كبير من قبل القلة القليلة الثرية في الولايات المتحدة، و خرج جيل كامل من الشباب من
معادلة الحلم الاميريكي. الارقام الرسمية تشير اليوم الى ان اغنى 1% من الاميريكيين
يتحكمون في اكثر من 45% من الثروة الوطنية، و ان الولايات المتحدة فيها اكبر فجوة
في الرواتب ما بين الرؤساء التنفيذين و الموظفين، و في ذات الوقت يتمتع الاثرياء
بمزيد من الاعفاءات الضريبية، بينما تدفع الطبقة الوسطى اجور سكن اعلى و اسعار اغلى
للاساسيات، في حين تتدنى الخدمات الحكومية من صحة و تعليم و بنى تحتية.
ادى كل ما
سبق خلال السنوات الماضية الى انقلاب الناخبين على السيياسيين التقليديين من غير
وضوح في شكل و هيئة النخبة السياسية القادمة، مما سمح لحالة كبيرة من التقلبات و
عدم الاستقرار. الرؤى و القوى السياسية المستقبلية تمر بمخاض عميق فيه مراوحة و
اخذ و رد حتى تتشكل السياسات الجديدة التي تعبر عن نبض الناس و هذا لم يحدث لغاية
الان، مما ينذر بمرحلة مطولة من التقلب.
الولايات
المتحدة ليست دولة مثالية، و لكنها عظيمة. و العظمة في الامم ليست الكمال، بل تأتي
من قدرتها و رغبتها في الحراك و في تغيير السياسات اعتمادا على الدلائل العلمية مع
التجربة و الخطأ، و ليس على القناعات و الانطباعات او الافكار الجامدة. هذه المواصفات تعني ان
لدى "النظام الاميريكي" قدرات كامنة على التصحيح الضمني التلقائي و
ابتكار الحلول لاعادة البوصلة في الاتجاه الصحيح. و سيكون هناك دروس مستفادة على
المستوى العالمي من هذه التجربة، مع الاقرار بالقلق الحقيقي من التخبط خلال هذه المسيرة،
خصوصا ان طالت.