منذ ان وجه جلالة الملك المعظم رسالته الى دولة رئيس الوزراء يوجهه بها الى السير الفوري بعملية دمج مديريتي قوات الدرك والدفاع المدني في مديرية الامن العام ، وما أعقبها من صدور الإرادة الملكية بألموافقة على تنسيب مجلس الوزراء بتعيين عطوفة اللواء الركن حسين الحواتمه والذي يشغل مديراً لمديرية قوات الدرك كمديراً لمديرية الامن العام ، والرسالة التي وجهها جلالة الملك له بتكليفه الإشراف الفوري على تحقيق هذا الدمج ، حتى كثرت التعليقات والتحليلات حول دوافع وأسباب وخلفيات هذا الإجراء المفاجئ . ورغم ان الغالبية العظمى من هذه التحليلات كانت مع عملية الدمج وانها جاءت كخطوة إيجابية من جلالته في سبيل ظبط النفقات ، كما انها رسالة الى الوزارة لإتباع نفس الأسلوب ، الا ان البعض حاول ان يعزوا ذلك الى ضغوطات صندوق النقد الدولي لتخفيف النفقات الحكومية وتخفيف العجز المالي بالرغم من انه وحتى على فرض وجود أساس لهذا القول فلا يعيبنا ان نعمل بتوجيهات ونصائح هذا الصندوق في هذا المجال في ظل الوضع الإقتصادي والمالي الذي نحن عليه والذي لولاه لما لجئنا اليه لمساعدتنا للخروج من هذه الأزمة اذا كان هذا الإقتراح يؤدي الى تحسين الأوضاع الإقتصادية . في حين ذهب البعض الى ان هذا الإجراء من متطلبات صفقة القرن التي كثر الحديث عنها دون ان يتم ذكر بند من بنودها سوى ما تنفذه الإدارة الامريكيه على ارض الواقع .
وكما كثرت التحليلات والتفسيرات القانونية والدستورية نتيجة لهذ القرار ، فقد ذهبت بعض الآراء الى ان هذا الامر يتطلب تعديلات دستورية وشكك البعض بصحة الإجراءات التي جرت وانه كان يجب أولاً اجراء التعديلات الدستورية ، فيما ذهب البعض ان التعديلات الدستورية يمكن ان تتم في نهاية الامر وبعد استكمال الترتيبات اللازمة لهذا الدمج . فيما ذهبت آراء أخرى الى انه لا ضرورة لمثل هذا التعديل وانه يكفي اجراء تعديلات على قوانين هذه المديريات المختلفة وقدم كل طرف مبرراته وأسانيده الدستورية والقانونية في حين تناول البعض هذا الامر بدرجة من التندر كان يمكن ان تكون مقبولة لولا انها تجاوزت الحدود وبدت وكأنها استهزاء على هذا الإجراء دون الأخذ بالإعتبار ان هذا الإجراء صادراً عن جلالة الملك .
وكان معظم من يتناول هذا الموضوع يتناوله بعيدا عما ورد في رسالتي جلالة الملك الى كل من دولة رئيس الوزراء وعطوفة مدير الامن العام المعين وبعيدا عن تناول مضامين الكتابين من توجيهات وإرشادات كاملة شاملة مركزين فقط على عملية الدمج هذه .
فقد جاء في الرسالة التي وجهها جلالته لدولة رئيس الوزراء توجيهات بالسير الفوري في عملية دمج مديرية الدرك ومديرية الدفاع المدني ضمن مديرية الامن العام ، واتخاذ الإجراءات التشريعية والادارية اللازمة لتحقيق ذلك . ثم طالبه بتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين واتخاذ السبل التي تحقق التوفير على الموازنة العامة والعمل على التواصل المستمر مع ابناء وبنات الشعب الغالي وتلمس احتياجاتهم والحرص على تحقيق الافضل لهم ودمج المؤسسات حيثما يمكن لما يحققه ذلك من وفر على الخزينة العامة للدولة وظبط النفقات وتجويد الاداء والنهوض بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن . أي ان المطلوب من الحكومة ان تقوم به بموجب هذه الرسالة لا يتعلق بدمج المديريات الثلاث فقط ، بل بكل ما هو وارد في هذه الرسالة ومنها دمج هذه المديريات لأن هذا الدمج يتوافق مع المطالب الأخرى المطلوب من الحكومة تطبيقها ، ولذلك قال بأن على الحكومة ان تهيئ لمدير الامن العام الجديد كل الأسباب والوسائل الكفيلة بتمكينه من القيام بمهمته بشكل يضمن تحقيق التناغم في الأداء وتحسين مستوى التنسيق الأمني والخدمات المساندة على نحو يلمس المواطن أثره الإيجابي .
وعلى اثر ذلك صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على تنسيب مجلس الوزراء القاضي بتعين اللواء الركن حسين الحواتمه مديرا لمديرية الامن العام .
ثم بعد ذلك وجه جلالته رسالة الى مدير الامن العام الجديد كلفه فيها بتولي الإشراف على مهمة دمج المديرية العامة للدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن مديرية الامن العام وهيكلها التنظيمي . وعبر جلالته لمدير الامن العام الجديد عن ثقته بقدرته على إستكمال الإجراءات التشريعية والإدارية اللازمة لإنجاز عملية الدمج هذه بسلاسة وقيادة المرحلة الانتقالية ريثما يتم إستكمال متطلبات الدمج تشريعياً وإدارياً وبأسرع وقت ممكن وتكثيف الجهود الرامية الى تحقيق كل هذه الاهداف
وهذا يدل على ان جلالته يدرك ان تحقيق هذا الدمج يتطلب إجراءات تشريعية وإدارية وانه كلف الحكومة ومدير الامن العام الجديد بوضع تصوراتهم وخططهم لعملية الدمج ووضع التشريعات القانونية والدستورية التي تتوافق مع عملية الدمج ليتم اقرارها كما يجب وإعتبار هذه المرحلة مجرد مرحلة انتقالية .
ومن هذا نجد ان ما وضعه جلالة الملك هو خارطة طريق للمستقبل تشمل جميع المتطلبات التي من شأنها معالجة كل أوجه الخلل في النواحي السياسية والمالية والإدارية وحتى التشريعية في الاْردن لما له من دور في تحسين الأمور الحياتية للمواطنين الأردنيين ومعالجة كافة المشاكل التي يعانون منها . ولكن هنا يجب ان يدرك الارنيين انه ربما ترتب على تحقيق هذه الإجراءات ترشيق بعض اجهزة الدولة لتخفيف المصاريف العامة وانه سيتبع ذلك إحالات على التقاعد ودمج الكثير من الهيئات الخاصة لما تكلفه هذه الهيئات من عبئ على ميزانية الدولة . وان هذه المديريات الثلاثة لن تعود مكاناً لإستيعاب كل الباحثين عن العمل ولإرضاء المتعطلين عنه وارضاء مناطقهم وعشائرهم ، وانما سيكون هناك تركيز على النوعية على حساب الكمية لأنه بهذه الطريقة يمكن ان يتحقق الوفر في الإنفاق . ولكن هذه الإجراءات في مجملها وتخفيف العجز في الميزانية العامة ستعيد الثقة بالإقتصاد الاردني خارجياً وداخلياً مما سيعيد عجلة الاقتصاد الى الدوران مما سيترتب عليه خلق فرص عمل كثيرة في القطاع الخاص بالتالي الحد من البطالة ورفع مستوى حياة المواطنين . الا ان تحقيق ذلك كله سيكون مرهوناً بقدرة الحكومة على تنفيذ مضامين ما يريده جلالة الملك والسير على خارطة الطريق التي رسمها .
ويبقى ان أقول ان عملية دمج المديريات الثلاث لا يعني الخلط في صلاحياتها ودمج جميع وحداتها لكن إخضاعها جميعاً لأدارة مشتركة . وربما دمج الكثير من الوحدات الادارية والمالية والخدماتية والقانونية مما سيقلل من النفقات والهدر المالي . في حين ستحافظ ألوية وكتائب الدرك على تشكيلاتها وكذلك وحدات الامن العام وإداراتها مثل البحث الجنائي والأمن الوقائي والتنفيذ القضائي وإدارات السير والترخيص وغيرها . ولكن سيكون هناك توحيداً لجهود هذا المديريات وتنظماً لعملها كونها جميعها خاضعة لمرجع واحد بحيث لا يحصل تخبط وتداخل في صلاحياتها او حتى منافسة بينها او تنازع للصلاحيات او فوضى في تطبيق الواجبات كما حصل في العديد من الحالات . وكل ذلك سيكون له دوره في تحسين جودة العملية الامنية الداخلية وفي تطبيق سيادة القانون . كما ان وحدات الدفاع المدني سوف تحافظ على وحداتها ومهامها ولكن سيكون الوفر في الأمور الادارية على وجه الخصوص والتي سوف تدمج مع مديرية الامن العام .
وقبل ان انهي موضوعي ومع احترامي لكل القامات القانونية والتشريعية التي تحدثت عن الدمج من الناحية القانونية والتشريعية والدستورية فأن جلالة الملك كان يدرك الحاجة الى ذلك وانه ترك الباب مفتوحاً لإجراء التعديلات التي تتطلبها عملية الدمج هذه . اما انا وبمفهومي المتواضع مقارنة بالقامات التي تحدثت عن هذا الموضوع فأني ارى ان اللواء حسين الحواتمة والذي صدرت إرادة جلالة الملك المعظم بناء على تنسيب مجلس الوزراء بتعينه مديراً لمديرية الامن العام ، والذي كلفه جلالة الملك المعظم بالإشراف على دمج المديريات الثلاث لا يزال من الناحية الدستورية مديرا لمديرية قوات الدرك بموجب الإرادة الملكية السامية بتعينه بهذا المنصب بموجب صلاحياته في المادة ٤٠ من الدستور الاردني وان هذه المديرية لا زالت قائمة في الوقت الحالي وانه لا بد من الإشارة الى ذلك . وبالنسبة لمديرية الدفاع المدني فأنها لا زالت قائمة هي ايضاً حتى الآن ، ولكن من غير ان يكون لها مديراً بعد ان صدرت الإرادة الملكية بإحالة مديرها العام على التقاعد . وان ذلك لا يمثل خطأ دستوري او قانوني بهذا المفهوم وخاصة ان هذا الامر من الأمور المطلوب معالجتها كما ورد في كتابي جلالة الملك المعظم ان هذه الإجراءت سيعمل بها خلال الفترة الانتقالية فقط .