القلعة نيوز - جهاد حرب*
مما لا شك فيه أن الفساد وصفقة القرن وجهان لعملة واحدة؛ فالأول يدمر البنى الثقافية للمجتمع ويهدم البناء المؤسسي الذي حققته السلطة الفلسطينية على مدار السنوات السابقة أي يهدف الى التدمير الذاتي، أما الثاني فيهدف الى سلب نضال الشعب الفلسطيني وحلمه بإنهاء الاستعمار الكولونيالي الإسرائيلي.
إن عدم اتخاذ إجراءات وافية وكافية لمحاربة قضايا "فساد" تبرز هنا أو هناك
أولا: يتيح فرص لتصديق الاشعاعات "والوثائق" الفارطة التي تنتشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي
، وثانيا: يؤدي الى تعميق أزمة الثقة بين المواطنين والنظام السياسي وزعزعة الثقة بالسلطة الحاكمة ورجالاتها ونسائها،
وثالثا: يمنح الاحتلال واعوانه والامريكان فرصا لتشويه القيادة الفلسطينية وإطلاق احكام بفشلها في إدارة الحكم؛ مثل تصريح جاريد كوشنير مستشار الرئيس الأمريكي "ان الفلسطينيين ليس لديهم القدرة على الحكم".
ورابعا: تقلل من قدرة الدول الصديقة، وبخاصة في الاتحاد الأوروبي، من الدفاع عن السلطة الفلسطينية أو تضامنها.
إن مواجهة صفقة القرن ومكافحة الفساد مساران متوازيان، لا يقل خطر أحدهما عن الآخر، يتطلبان السير فيهما في آن دون هوادة أو توقف. وفي ظني أن تحصين الجبهة الداخلية وتقويتها تقتضي اتخاذ خطوات سريعة توقف حالة التدهور الداخلي من خلال عملية "اصلاح" أحد أولوياتها مكافحة الفساد.
دون هذه الخطوات ستستخدم إسرائيل "قوة الاحتلال الغاشم" الصندوق الأسود الذي تجمع فيه الاخبار والوثائق، التي تعدها بشكل دائم، لوسم الفلسطينيين بالإرهاب تارة والفساد تارة أخرى بهدف إفشال القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من تحقيق مطالبهم بالحرية والاستقلال والدولة المستقلة.
هذه الخطوات ليست بالضرورة القضاء على الخيول التعبة أو الملوثة، وقد تكون إحداها، بقدر ما تضع اطرا وقواعدا وآليات لمنع هدر المال العام والاستيلاء عليه دون وجهة حق؛ أي بمعنى آخر تعزيز نظام النزاهة الوطني.
هذه الخطوات ليست مُكلفة للنظام السياسي بقدار ما هي مفيدة له وللمجتمع، وهي أداة في عملية المواجهة المحتدمة مع الامبريالية الامريكية وأداتها الاستعمار الإسرائيلي. إن المبادرة هنا أسلم للقيادية الفلسطينية وأقدر على المواجهة؛ أي أن اتخاذ إجراءات مقنعة للجمهور تساهم في توسيع المشاركة الشعبية لإفشال صفقة القرن وادواتها المختلفة، وتقوية حجتها في هذه المعركة، وتعزز قدرتها على جلب التضامن الدولي.
ان لم تكن فضيحة ترفيع رواتب الوزراء، دون الإعلان عنها في حينها ودون تعديل القانون الخاص بمكافئات ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين، هي "الجريمة" الأكبر أو الأعلى اهدارا للمال العام أو الاستيلاء عليه، الا أنها الشعرة التي قسمت ظهر البعير في هذا المضمار، وهي تحتاج الى خطوات بقدرة الإهانة التي شعر بها الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت عدم الخوف من ان إجراءات كهذه قد تضعف القيادة بل انها تقويها في المواجهة المحتدمة.
شخصيا أدرك، وعبر عشرين عاما من العمل في مجال مكافحة الفساد، أن حجم الفساد في فلسطين وفي أروقة السلطة الفلسطينية ليس بذاك الحجم المتصور. لكن ارتفاع حجم الانطباعات لدى المواطنين الفلسطينيين ناجم عن الحساسية المفرطة لهذا الامر، وضعف المحاسبة،
كما يرى المواطنين، في هذا المجال أو اقتصاره على صغار الموظفين دون رؤية لمحاكمة القطط السمان. أضف الى ذلك صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مما يؤدي الى النظر لكل المعاملات ذات الأثر المالي بشبه الفساد حتى تلك المنصوص عليها في القانون. وكذلك عرضة للاستغلال الإسرائيلي وتضخيمه وتغذيته لأهداف سياسية وليس حبا أو طمعا بمحاربته أو حرصا على المال الفلسطيني الذي ما فتأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على سرقته وحرمان الشعب الفلسطيني من مقدراته وموارده الطبيعية على مدار الاثنين وخمسين عاما الماضية.
--------------------------------
*كاتب فلسطيني-دنيا الوطن