القلعة نيوز-
تضع نشرة معهد العناية بصحة الأسرة، مؤسسة الملك الحسين، بين يدي القارئ اليوم الأحد، معلومات مهمة عن تأثير صحة الدماغ على القدرات الإدارية للفرد، وكيفية توظيف عمل الدماغ بأجزائه في الحياة اليومية والعملية.
وتتحدث نشرة المعهد بتفصيل علمي عن أجزاء الدماغ، والطرق الصحيحة لتحفيزها من خلال التمارين الذهنية، والتفاعل الاجتماعي، وإدارة مستويات التوتر، والغذاء الصحي، والفيتامينات والمكملات الغذائية.
يتأثر القادة في هذا العصر بالعديد من الأفكار والتعليقات الواردة إليهم من كل اتجاه، وهم مطالبون باتخاذ قرارات سريعة ثم متابعة تنفيذها قبل أن تتغير المعطيات مرة أخرى. تقدم لنا التطورات في علم الأعصاب كل المعرفة التي نحتاجها لفهم آلية عمل دماغنا وكيف تعمل أجزاؤه المختلفة وتوظيف ذلك في الحياة اليومية والعملية.
كما تساعد هذه العلوم القادة على تعلم كيفية إنتاج السلوكيات الحكيمة والفعَالة وقليلة التكلفة والتي يعالجها الفرد في مواقف القيادة اليومية.
يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على كيفية تطوير مهارات القيادة و تدريسها لقادة اليوم وغدًا. مهارات القيادة ليست سوى الخطوة الأولى، إن تعلم كيفية تنفيذها بشكل صحيح وجيد هو ما يجعلها تنبض بالحياة ويعطيها قيمة.
هناك منطقتان رئيسيتان من الدماغ نحتاج إلى فهمهما بشكل أكبر واللتان تتحكمان بمجموعة من السلوكيات والمهارات ومنها السلوكيات الإدارية وهما الجهاز الحوفي أو ما يعرف بالدماغ العاطفي (Limbic System) وجزء الدماغ المفكر أو ما يعرف باسم ( Prefrontal Cortex ):
- الجهاز الحوفي (Limbic System): هو نظام معقد من الأعصاب والشبكات في الدماغ، يشمل عدة مناطق بالقرب من حافة القشرة المخية تهتم بالغريزة والمزاج.
يتحكم في المشاعر الأساسية (الخوف، اللذة، الغضب) والدوافع (الجوع، الجنس، الهيمنة، رعاية الأبناء). تشمل الهياكل الأساسية داخل الجهاز الحوفي: اللوزة الدماغية (amygdala)، الحصين (hippocampus)، المهاد (thalamus)، الوطاء (hypothalamus)، العقد القاعدية (basal ganglia)، التلفيف الحزامي(Cingulate Gyrus) .
اللوزة الدماغية هي تقوم بالكشف عن وجود توتر وبالتالي تنظيم الاستجابة العاطفية للدماغ، بينما يلعب الحُصين دورًا أساسيًا في تكوين ذكريات جديدة حول التجارب السابقة. يرتبط كل من المهاد والوطاء بالتغيرات التي تحدث أثناء تفاعلنا العاطفي. المهاد هو هيكل كبير نسبياً يقع في عمق مركز الدماغ وينقل المعلومات من العالم الخارجي إلى القشرة الدماغية.
على هذا النحو، تأتي أهميته الأساسية في الربط بين المهاد وأنظمة الدماغ الحوفية الأخرى. يتحكم الوطاء في المواد الكيميائية في الدماغ التي تجعلك، على سبيل المثال جائعًا أو نعسانًا أو مبتهجًا أو غاضبًا أو غير سعيد، ووظيفته الأساسية هي التوازن، أو الحفاظ على حالة داخلية مستقرة.
للتحكم في وظائفه المتعددة بشكل فعال، يقوم الوطاء بدمج المعلومات من أجزاء أخرى من الدماغ.
ونتيجة لذلك، فهو يستجيب لمجموعة متنوعة من المحفزات، بما في ذلك الضوء والرائحة والتوتر والإثارة.
بالنسبة للتلفيف الحزامي فهو جزء لا يتجزأ من الجهاز الحوفي، فهو يساعدنا على تنظيم عواطفنا وسلوكنا والألم.
وبالمثل، فإنه يمكننا من توقع وتجنب المحفزات السلبية من خلال مراقبة استجابة الجسم للتجارب غير السارة.
أما العقدة القاعدية فتشارك في تنظيم سلوكياتنا المعرفية والعاطفية، وكذلك في استجابتنا للمكافآت والتعزيزات.
وهكذا، ترتبط العقد القاعدية بتكوين العادات والسلوكيات التي تسبب الإدمان.
علاوة على ذلك، فإن الوظيفة الرئيسية للعقد القاعدية هي تنظيم وتنسيق حركاتنا الإرادية، بما في ذلك حركات العين والتوازن والوضعية.
عندما يكون القائد قليل التحكم في تفكيره وسلوكه، فقد يكون ذلك عادةً كردة فعل لتهديد محسوس أو لأنه ربطه بالذاكرة العاطفية السابقة.
- قشرة الفص الجبهي (PFC): تقع في مقدمة الدماغ، خلف الجبهة مباشرة. وهي مسؤولة عن التفكير المجرد وتحليل الأفكار، وهي مسؤولة أيضًا عن تنظيم السلوك.
يتضمن ذلك التوسط في الأفكار المتضاربة، والاختيار بين الصواب والخطأ، والتنبؤ بالنتائج المحتملة للأفعال أو الأحداث. تسيطر هذه المنطقة من الدماغ أيضاً على التحكم الاجتماعي، مثل قمع الحوافز العاطفية أو الجنسية. تنظم هذه المنطقة الحيوية من الدماغ التفكير من حيث اتخاذ القرارات على المدى القصير والطويل.
وتساعد القشرة الفرد في التخطيط المسبق وإنشاء الاستراتيجيات، وكذلك على تعديل الإجراءات أو ردود الفعل في المواقف المتغيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد قشرة الفص الجبهي على تركيز الأفكار، مما يمكّن الشخص من الانتباه والتركيز على الأهداف، واستعراض خطوط التفكير المختلفة والمترابطة عند تعلم أو تقييم المفاهيم أو المهام المعقدة.
تحتوي قشرة الفص الجبهي أيضًا على ذاكرة عاملة نشطة.
إن القائد الذي يُحسن استخدام هذا الجزء من دماغه ( Prefrontal Leader ) هوشخص قادر على اتخاذ قرارات رائعة تحت ضغط المواعيد النهائية المتضاربة.
إنهم قادرون على الاستمرار في التركيز على ما يحدث بالفعل بدلاً من القلق بشأن الأشياء التي قد تشكل أو لا تشكل تهديدًا. يؤدي هذا إلى زيادة الإنتاج مع الحفاظ على الطاقة، وهي المورد الأكثر قيمة لزعيم القرن الحادي والعشرين.
كيف يمكن تحفيز هذه المناطق؟
لتحفيز قشرة الفص الجبهي (PFC) والجهاز الحوفي يمكن اتباع النصائح التالية:
1 - التحفيز الذهني: باستخدام التحفيز الذهني يمكن تمرين الدماغ من خلال قراءة الكتب وحل الألغاز أو ممارسة الألعاب التي تتطلب مهارات التفكير الناقد.
تعد الألغاز المتقاطعة أمثلة رائعة على الألعاب التي يمكن أن تساعد في الوظيفة الإدراكية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعلم لغة أو مهارة جديدة يمكن أن يحفز الدماغ أيضًا.
2- التمرين الجسدي: لا يفيد التمرين البدني الجسم فحسب، بل يفيد الدماغ أيضًا.
تزيد التمارين من تدفق الدم إلى الدماغ مما يؤدي بدوره إلى تحسين الوظيفة الإدراكية. يمكن أن تساعد الأنشطة مثل اليوجا أو رياضة التاي تشي أيضًا في التركيز.
3 - تنبيه الذهن بالتأمل: لقد ثبت أن تأمل اليقظة يقلل من مستويات التوتر ويحسن الوظيفة الإدراكية بشكل عام.
إنه ينطوي على التركيز على اللحظة الحالية دون حكم أو إلهاء.
يمكن أن يكون لممارسة التأمل اليقظ لبضع دقائق فقط كل يوم فوائد كبيرة للدماغ.
4- التفاعل الاجتماعي: التفاعل الاجتماعي ضروري للحفاظ على الصحة العقلية والوظيفة الإدراكية.
يمكن أن يساعد الانخراط في محادثات هادفة مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة في تحسين استدعاء الذاكرة والأداء المعرفي العام. هناك العديد من الممارسات التي تساعد الدماغ والتي يمكن أن تؤدي إلى تحسين الذاكرة والتركيز والإبداع وغيرها.
إن دمج أنشطة التحفيز الذهني مثل القراءة أو الألغاز في روتينك اليومي جنبًا إلى جنب مع التمارين البدنية مثل اليوجا أو التاي تشي والتأمل الذهني والتفاعلات الاجتماعية ستبقي عقلك متيقظًا وصحيًا بمرور الوقت.
5- تناول الطعام الصحي: ينصح باتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات، عادة ما يرتبط الخلل الوظيفي المعرفي بالالتهاب.على هذا النحو، نحتاج إلى تضمين الأطعمة في النظام الغذائي الذي يقلل الالتهاب، ويساعد على استقرار نسبة السكر في الدم وتوفير العناصر الغذائية الضرورية التي تمكن الجهاز الحوفي من العمل بفعالية.
تشمل هذه الأطعمة، على سبيل المثال، لحوم الحيوانات التي تتغذى على الأعشاب، والأسماك البرية والبيض والخضروات منخفضة الكربوهيدرات والخضروات منخفضة السكر في الدم. كما أن الشوكولاتة الداكنة مفيدة للدماغ، حيث تحتوي على مركبات مثل الفلافونويد ومضادات الأكسدة التي تساعد على شحذ ذاكرتك.
كما يجب أيضاً تجنب الأطعمة غير الصحية التي تزيد الالتهاب مثل السكريات والحبوب المكررة والمضافات الغذائية والمواد الحافظة، الخضراوات الملوثة بالمبيدات الحشرية والمخلفات السامة، كما تشمل الدهون المهدرجة والزيوت النباتية المصنعة والأسماك المستزرعة أو منتجات الألبان التقليدية، ونظرًا لأن هذه الأطعمة تزيد من شدة الالتهاب، فإنها تخلق حموضة زائدة في الأنسجة مما يؤدي في النهاية إلى إضعاف أو تدمير أنسجة دماغك
وفقًا للكلية الأمريكية لعلوم الرعاية الصحية، فإن هذه الأطعمة الغنية بالفيتامينات هي معززات رائعة للدماغ:
- يحتوي الثوم على نسبة عالية من اليود، مما يدعم نشاط الدماغ الصحي.
- عشب البحر غني باليود والفوسفور وفيتامين ج، وكلها مغذيات رائعة للدماغ.
- السلمون البحري غني بالفوسفور وفيتامين ب 3 وأحماض أوميغا 3 الدهنية.
- المكسرات، مثل الجوز والكاجو واللوز، مليئة بأحماض أوميغا 3 الدهنية وغنية بالفوسفور.
الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الريسفيراترول ، مثل العنب الأحمر والنبيذ الأحمر وزبدة الفول السوداني والتوت البري والتوت الأزرق.
6 - زيادة تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية: على غرار اتباع نظام غذائي صحي، فإن زيادة تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية بكميات ملائمة سيساعدك على دعم وظائف دماغك. على سبيل المثال، تعمل أحماض أوميغا 3 الدهنية على تحسين التعلم والذاكرة، مما يساعدك على محاربة الاضطرابات المعرفية.
- إدارة مستويات التوتر: يمكن للتوتر أن يلحق الضرر بصحتنا. هذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بأدمغتنا. في الواقع، الإجهاد هو أحد العوامل الرئيسية في الخلل المعرفي.
يمكن أن يسبب الإجهاد الشديد التهابًا في الدماغ، مما يؤدي إلى تدهور صحة الدماغ. على هذا النحو ، فإن قدرتنا على إدارة مستويات التوتر لدينا أمر ضروري لنظام حوفي صحي. التأمل واليوجا وتمارين التنفس العميق والعلاج بالروائح تساعد بعض الناس في إدارة التوتر لديهم، بينما يلجأ آخرون إلى ممارسة الألعاب أو قراءة الكتب أو الاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة الفنون والحرف اليدوية.
إن تقليل التوتريريح اللوزة المخية عظيمة الأهمية، وهي الجزء المسؤول عن وعيك بالعواطف.
نتيجة لذلك، لن تكون أكثر استرخاءً فحسب، بل ستكون أيضًا أكثر سعادة.
وكما يقال العقل السليم في الجسم السليم، كذلك يمكن القول أن المهارات الإدارية السليمة تنجم عن عقل سليم وتغذية سليمة، فالدماغ السليم يساعد الأشخاص في صقل مهاراتهم الحياتية المختلفة لا سيما الإداريون منهم.