
مجلس النواب… بين التمثيل الشعبي والتعطيل المؤسسي
القلعة نيوز:
بقلم ليث محمد عكور
في خضم الأزمات المتلاحقة التي يشهدها الأردن على المستويين السياسي والاقتصادي، يبرز مجلس النواب بوصفه مؤسسة دستورية محورية يُفترض أن تعكس إرادة الشعب وتنهض بالدفاع عن مصالحه العليا، إلا أن الواقع الراهن يكشف عن فجوة متسعة بين ما يُنتظر من هذه المؤسسة، وما تقدّمه فعليًا على أرض الواقع، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: هل لا يزال النظام الداخلي للمجلس قادرًا على دعم فاعلية العمل التشريعي والرقابي؟ أم آن الأوان لإعادة النظر فيه بجدّية ومسؤولية وطنية؟
ما يطفو على السطح في الآونة الأخيرة هو تغليب الطابع الفردي على الأداء النيابي، فالمقترحات والتشريعات تصدر غالبًا باجتهادات شخصية من النواب، دون تنسيق فعّال داخل الكتل البرلمانية أو الأحزاب التي يُفترض أنها تمثل رؤى جماعية، هذا التفكك يشتت الأولويات، ويهدر وقت المجلس في نقاشات لا تؤسس لقرارات فاعلة، في وقتٍ يحتاج فيه الوطن إلى تشريعات مدروسة وسريعة تسهم في مواجهة التحديات وتعزيز الصمود.
وهذا الإرباك لا يقتصر على الجانب التشريعي فحسب، بل يطال أيضًا الدور الرقابي، الذي أضحى شبه معطّل بفعل غياب الآليات الواضحة لمساءلة الحكومة أو متابعة تنفيذ برامجها وخططها، ما أفقد المجلس إحدى ركائز وجوده، وأفقد المواطن الثقة بجدوى المؤسسة البرلمانية وقدرتها على إحداث فرق حقيقي.
من هنا، تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاح النظام الداخلي للمجلس، بما يضمن تعزيز العمل الجماعي ورفع مستوى الأداء البرلماني، إذ لا بد من تفعيل دور الكتل البرلمانية، لتناقش مشاريع القوانين بعمق قبل عرضها تحت القبة، فتخرج بصيغة موحدة تعبّر عن توافقات عقلانية، كما يُقترح اعتماد آلية "النقاش الموجّه"، التي تُحدّد وقتًا زمنيًا محددًا لكل كتلة، وتُلزم النواب بالاستناد إلى بيانات وتحليلات علمية، بعيدًا عن الخطابات الارتجالية التي تُفقد الجلسات قيمتها.
لكن التحدي الأكبر لا يكمن في تغيير اللوائح وحدها، بل في إعادة تشكيل ثقافة العمل البرلماني من أساسها، إذ لا بد من تجاوز الفهم الضيق الذي يحصر دور النائب في تقديم الخدمات الفردية، نحو رؤية أشمل تُحمّله مسؤولية الرقابة على السلطة التنفيذية، والتشريع بما يلبّي تطلعات الشعب ويخدم المصلحة الوطنية العليا.
وفي هذا الإطار، يمكن الاستفادة من التجارب البرلمانية الرائدة في العالم، عبر تشكيل لجان دائمة متخصصة، وتنظيم جلسات استماع علنية بمشاركة خبراء وممثلين عن المجتمع المدني قبل إقرار القوانين الكبرى، فمثل هذه الخطوات ترسّخ شعور المواطن بأنه شريك أصيل في القرار، لا مجرد متلقٍّ له.
ختامًا، إن إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب لم يعد خيارًا مؤجلًا أو إجراءً إداريًا عابرًا، بل بات استحقاقًا وطنيًا لا يحتمل المماطلة، فالمجلس الذي يُفترض أن يعبّر عن صوت الناس وطموحاتهم، ينبغي أن يمتلك الأدوات الكفيلة بتحقيق ذلك، لا أن يبقى مرتهنًا لواقع يقيّده ويُضعف هيبته، وبين واقع مأزوم وطموح متّقد، تبقى الكلمة الفصل لإرادة التغيير الصادق، والعزيمة المخلصة لخدمة الأردن ورفعة شأنه.
حفظ الله الأردن، قيادةً وشعبًا، ووفّق من يحملون الأمانة ليكونوا على قدرها، قولًا وفعلًا.