
الإنسان والمواطن والسياسة .
القلعة نيوز ـ القلعة نيوز ـ
المشاكل التي تواجه المجتمعات الناشئة للانخراط في الدور الحضاري والعملية السياسية؟
هل كان سولون محقًا في طرحه؟ ما هو النموذج الذي نجح في تفعيل الإنسان وجعله فاعلًا في المجتمع؟
المجتمعات التي أضاعت الحضارة تحتاج – كما فهم سولون – إلى تحرير الإنسان اقتصاديًا واجتماعيًا قبل طلب مشاركته السياسية. لكن الفارق أن التجارب الناجحة اليوم أظهرت أن العنصر الحاسم ليس القوانين وحدها، بل ثقافة المشاركة ووجود عقد اجتماعي يضمن الحقوق ويحدد الواجبات بوضوح.
النماذج التي نجحت في تفعيل الإنسان من الصعب الحديث عن نموذج "خالٍ من العيوب"، لكن هناك تجارب بارزة:
• ماليزيا في عهد مهاتير محمد: دمج التنمية الاقتصادية بالهوية الوطنية، مع بناء طبقة وسطى منتجة، وفتح المجال السياسي تدريجيًا.
• تجربة البعثة النبوية في المدينة: نموذج تأسيسي يربط الروح بالسياسة، ويجعل القيم مرجعًا، ويخلق مواطنة متساوية (صحيفة المدينة).
• التجربة النوردية (السويد، النرويج): ربط التعليم والاقتصاد بالعدالة الاجتماعية، مع مشاركة شعبية واسعة وشفافية مؤسسية.
وهنا لا بد من فتح ثلاث بوابات فكرية مترابطة:
أولًا: بوابة الواقع: ما الذي يعيق المجتمعات الناشئة عن الانخراط الحضاري والسياسي؟
وثانيًا: بوابة التاريخ: هل كان طرح سولون – المُشرّع الأثيني – صالحًا للتجربة الإنسانية عامة؟
وثالثًا: بوابة النماذج: أي تجربة تاريخية أو معاصرة نجحت فعلًا في جعل الإنسان فاعلًا لا متفرجًا؟
العقبات أمام المجتمعات الناشئة
هناك حزمة من التحديات البنيوية والفكرية، يمكن تلخيصها في ثلاثة مستويات:
أولًا: المستوى البنيوي – المؤسسي، والذي يجب أن يعمل على معالجة هشاشة المؤسسات أو تبعيتها للنخب الضيقة، بحيث تصبح مؤسسات قائمة على المشاركة، ومعالجة غياب آليات الرقابة والمساءلة الفعالة التي تساهم بشكل كبير في تغول البعض على السلطة، إضافة إلى الاقتصاد الريعي أو التابع الذي يضعف الاستقلالية الوطنية. وهنا تقع معظم الدول اليوم نتيجة لتغول منهج القطب الواحد على السياسة العالمية، مع أني مقتنع أن هناك هامشًا للحركة.
ثانيًا: المستوى الثقافي – القيمي، ويشمل ضعف الثقافة السياسية، وغياب التربية المدنية، وإرثًا استبداديًا يجعل المشاركة مغامرة محفوفة بالخوف، وتقديس البُنى التقليدية على حساب الإبداع والنقد.
ثالثًا: المستوى الاجتماعي – النفسي، ويشمل غياب الثقة بين المواطن والدولة، وتفكك الروابط الاجتماعية بفعل الانقسامات الطائفية أو القبلية أو الجهوية، والإحباط الجمعي الناتج عن الفشل المتكرر في التغيير.
سولون وسؤاله القديم
سولون (حوالي 594 ق.م) وضع إصلاحات في أثينا كانت تهدف لتقليل الفجوة بين الأرستقراطيين والعامة، عبر إلغاء ديون الفلاحين، وإعادة تنظيم السلطة عبر مجالس منتخبة جزئيًا، ومنح فئات أوسع حق المشاركة السياسية، وإن بشكل متدرج. وأدرك أن الإصلاح السياسي يحتاج إصلاحًا اقتصاديًا واجتماعيًا أولًا.
ولكن التدرج البطيء يترك النخب قادرة على الالتفاف على الإصلاح، والسعي لتحقيق مصالحها على حساب الوطن.
إبراهيم أبو حويله..