
د علي السردي
في ظل التحولات المتسارعة التي تمر بها المنطقة، يبرز مشروع "إسرائيل الكبرى" بوصفه واحداً من أكثر المفاهيم إثارة للجدل، لما يحمله من انعكاسات سياسية وجيوستراتيجية تتجاوز حدود فلسطين التاريخية لتطال الجوار العربي بأكمله. ويُعد وادي عربة، بوصفه منطقة تماس حساسة بين الأردن وفلسطين التاريخية، ساحة مركزية للتساؤلات حول مستقبل هذا المشروع وتأثيراته المحتملة. فمنذ توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994 بين الأردن وإسرائيل، بدا أن هذا الامتداد الجغرافي سيظل خاضعاً لاعتبارات أمنية واقتصادية دقيقة، إلا أن عودة الحديث عن "إسرائيل الكبرى" يعيد إلى الواجهة مسارات التوتر القديمة ويضفي عليها أبعاداً جديدة.
إن مفهوم "إسرائيل الكبرى" لا يقتصر على حلم أيديولوجي، بل يجد أصداءه في السياسات التوسعية والممارسات الميدانية، مثل تكثيف الاستيطان وتغيير البنى الديموغرافية وفرض وقائع على الأرض. هذه السياسات تجعل من وادي عربة منطقة ارتكاز في أي مخطط مستقبلي، ليس فقط لارتباطه بالأمن المائي والزراعي، بل أيضاً لموقعه الجيوسياسي الذي يشكل جسراً بين المشرق والجزيرة العربية. ومع ازدياد الضغوط الديموغرافية والاقتصادية في المنطقة، يزداد القلق الأردني من أن يتحول وادي عربة إلى محور ضغط استراتيجي يستعمل لفرض حلول أحادية على حساب السيادة الوطنية والهوية العربية.
التحولات الراهنة في الخطاب الإسرائيلي تعكس صورة بأن وادي عربة لم يعد مجرد منطقة حدودية محايدة، بل بات يُنظر إليه كجزء من منظومة أشمل تسعى إسرائيل من خلالها إلى إعادة تشكيل الخرائط الإقليمية وفق مصالحها الأمنية والاقتصادية. هذا الطموح يضع الأردن أمام تحديات متشابكة، تبدأ من حماية موارده المائية والزراعية النادرة، ولا تنتهي عند ضمان استقراره السياسي في مواجهة أي ضغوط مستقبلية مرتبطة بملف اللاجئين أو بإعادة توزيع الأدوار الإقليمية. وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن معاهدة السلام نفسها مهددة بالتحول إلى وثيقة رمزية أكثر من كونها أداة عملية لتثبيت الاستقرار، خصوصاً إذا واصلت إسرائيل السعي لفرض أجندة توسعية تفتقر في طياتها إلى الحد الأدنى من التوافق الدولي والإقليمي.
وختاماً، فإن مستقبل وادي عربة يتوقف إلى حد كبير على مسارات الصراع الأوسع في المنطقة، وعلى قدرة الأردن والدول العربية على بناء موقف موحد يوازن بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات الاستقرار الإقليمي. وفي غياب مثل هذا الموقف، سيظل وادي عربة عرضة لمسارات التوتر المتكررة، حيث تتحول الجغرافيا إلى ورقة مساومة في مشروع لم يزل يتغذى على فكرة التوسع وإعادة رسم الحدود. وبينما يترقب العالم مسارات هذه التحولات، يبقى السؤال الأعمق في السياق: هل يمكن لوادي عربة أن يكون جسراً للتعاون الإقليمي أم أنه سيبقى رهينة لصراع المشاريع الكبرى التي تعيد إنتاج التوتر بأشكال جديدة؟