شريط الأخبار
عطية: هيبة مجلس النواب تواجه مشكلة وتعود بتحقيق العدالة وزير دولة لتطوير القطاع العام: الحكومة عملت على الارتقاء بأداء الجهاز الحكومي وزير الخارجية: الأولوية الآن ضمان الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بغزة الرئيس المصري يشهد حفل افتتاح المتحف الكبير بحضور 79 وفدا دوليا الشرع يزور واشنطن ويلتقي ترامب قريبًا الملكة رانيا تشارك في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير الفراية : وسائل إعلام روجت مبادرة الداخلية انها ضد الديمقراطية العودات: تمكين المرأة ركيزة أساسية في مشروع التحديث السياسي الحنيطي يلتقي عدداً من كبار القادة العسكريين على هامش “حوار المنامة 2025” العليمات والشوملي.. نسايب .. العليمات طلب والعوايشة أعطى السفير العضايلة يشارك في مراسم تنصيب الأرشمندريت الأردني الدكتور الأزرعي مطرانًا في بطريركية الإسكندرية "واشنطن بوست" تكشف حجم الوجود العسكري الأمريكي قبالة سواحل فنزويلا واحتمال توجيه الضربات الأولى الاحتلال الإسرائيلي: الجثث التي سلمتها حماس لا تعود لمحتجزين إسرائيليين "مقاومة الجدار والاستيطان": الاحتلال سيدرس بناء 2006 وحدات استيطانية جديدة "الاتصال الحكومي" تنشر تقريرا حول انجازات الحكومة خلال عام الأردن وألمانيا يحددان "شرط" انتشار القوة الدولية في غزة حزب المحافظين: حملة ممنهجة طالت رئيس مجلس النواب حماس تطالب بتوفير معدات وطواقم لانتشال الجثث بسبب تسريب فيديو «سديه تيمان» .. استقالة المدعية العسكرية بـ "إسرائيل" الفراعنة يعودون.. إقبال هائل على صور الذكاء الاصطناعي

الشيخة سارة طالب السهيل تكتب : نمر بن عدوان فارس الحب والقبيلة

الشيخة  سارة  طالب السهيل  تكتب  : نمر بن عدوان فارس الحب والقبيلة

نمر بن عدوان فارس الحب والقبيلة

القلعة نيوز:

في عمق البادية الأردنية، وبالتحديد في منطقة ياجوز، أبصر نمر بن قبلان العدوان النور عام 1745م، ليصبح أحد أبرز علامات الفروسية والشعر النبطي في تاريخ المملكة الأردنية. لم يكن مجرد شيخ قبيلة عادي، بل كان شاعرًا نبيلًا يحمل في جنبات قلبه حبًا خالصًا لزوجته وضحى، فصاغ من حكايتهم رمزًا يتجلى في أبهى صور الوفاء ضمن التراث العربي الأصيل.

نشأ نمر في كنف عمه بركات بعد وفاة والده، وتلقى تعليمه في القدس ثم في الأزهر الشريف، وهو أمر نادر في ذلك الزمن لأبناء البادية. قضى خمس سنوات في مدارس القدس، ثم انتقل إلى القاهرة ليدرس ست سنوات في الأزهر، حيث تعمق في الفقه والنحو والمنطق. هذا التعليم المتنوع، إلى جانب احتكاكه بحضارات مختلفة، صقل شخصيته وجعله قائدًا مثقفًا يجمع بين الحكمة والبأس، وبين الفروسية والبصيرة.

لم يكن نمر بن عدوان مجرد فارس أو شاعر، بل رجلًا موسوعيًا سبق عصره. جمع بين التعليم الديني العميق، والمعرفة القبلية الدقيقة، والاطلاع على الحضارات الأخرى. هذا المزيج جعله شخصية فريدة يُستشار في النزاعات القبلية والدينية، ويُحترم من خصومه قبل أتباعه. وقد ساهم في توثيق نسب عشيرته العدوان، وكان خبيرًا بأنساب القبائل وتحالفاتها، مما جعله مرجعًا في السياسة القبلية، وصاحب بصيرة يربط بين الدين والعرف، وبين الحكمة والواقع.

رحلته التعليمية لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل تحوّل فكريًا عميقًا. فقد أتاح له هذا التعليم فهمًا أوسع للعالم الإسلامي، وعمّق إدراكه لدور المرأة، ولأهمية العدالة الاجتماعية، ولحساسية العلاقات القبلية. انعكست هذه الرؤية في قيادته لقبيلته، إذ شجّع على الحوار، وقدّر المرأة بوصفها ركيزة في بناء المجتمع، لا مجرد عنصر ثانوي.

وكان الشيخ نمر بصفته شيخًا لقبيلة العدوان، يؤدي دورًا محوريًا في تثبيت سلطتها في البلقاء. وكانت واقعة مرج أبو عيشة قرب حسبان شاهدة على تأثيره ونفوذه، حيث عزز فيها مكانة العدوان، وأظهر مهارته القيادية. ورغم خلافه مع ابن عمه حمود بن صالح العدوان، الذي دفعه للرحيل مؤقتًا، إلا أنه عاد بطلب منه لقيادة القبيلة مجددا، مؤكدًا مكانته كقائد حكيم لا مستبد.

كانت السياسة آنذاك تقوم على التحالفات القبلية. فحلف العدوان ضم عشائر البلقاوية والسلط، بينما شكلت بني صخر والعباد حلفًا منافسًا. وزواج نمر من وضحى بنت فلاح السبيله من بني صخر كان خطوة سياسية جريئة كسرت الأعراف، وجسّدت رؤيته المتقدمة للمرأة.

قصة الحب التي خلدها الشعر

تزوج نمر من وضحى متحديًا أعراف القبيلة، لكن القدر خطفها في ريعان شبابها. فكتب في رثائها أجمل قصائد الشعر النبطي،

وضل يرثيها أربعين عاما

ومن قصائده فيها:

عوجي علينا يا دار وضحى وسيري

يا دار من فيها حشى القلب مجروح

هذه الأبيات لم تكن مجرد شعر، بل مرآة لروح عاشقة كسرها الفقد.

يروى في بعض المصادر أن وضحى توفيت بسبب مرض الكوليرا في أثناء غياب نمر في رحلة إلى القدس ونابلس، مما جعل الفقد أكثر قسوة عليه. وقد قيل إنه كان يزور قبرها باستمرار، وأن نحيبه كان يُسمع من بعيد، حتى إن الناس كانوا يتوقفون للاستماع إليه، وكأن حزنه أصبح جزءًا من ذاكرة المكان.

هذا الفقد لم يكن مجرد ألم شخصي، بل تحوّل إلى عزلة وجودية، إذ انسحب نمر تدريجيًا من الحياة العامة، وفضّل الصمت على صخب الزعامة، وكأن قلبه لم يعد يحتمل قيادة الناس بعد أن فقد من كانت تقوده بروحها.

الحب كمدرسة شعرية

قصة نمر مع وضحى لم تكن مجرد علاقة زوجية، بل كانت ثورة وجدانية على أعراف القبيلة، وتجسيدًا لرؤية إنسانية متقدمة. فقد أعاد نمر للمرأة مكانتها كروح وشريكة حياة، وعبّر عن ذلك في شعره بصدق وجرأة، مما جعل قصائده تُغيّر نظرة البادية للمرأة، وتُعيد صياغة مفاهيم الحب والوفاء.

"يا طيب ريح المسك ريحة جسدها

باح العزا يا عقاب صبري غدا ويـن

لـو درت عنـدي ذرةٍ مـا تجـدها

صبـري دفنتـه بالزبـاره بيبريـن

الله يكـافـي شـر منهـو جحـدها

ياسيـن يام عقـاب ياسيـن ياسيـن

يا شبه عنـز الريـم ترعـا وحـدها

بنت الرجـال وخالـطٍ عقلـها زيـن

روايـح الريحـان ريحـة جسـدها

جتنـي عطا ما سقت فيـها تثاميـن

شيمـة فهـود كـل من جا حمـدها

كان شعره مرآة لروحه، وصوتًا للوجدان البدوي الذي لم يكن يُعبّر عن مشاعره بهذه الطريقة من قبل. امتزج الحنين بالفخر، والغزل بالحكمة، والرثاء بالقيادة. وقد أثرت قصائده في ثقافة البادية، وغيرت طريقة الناس في الحديث عن المرأة،

وقد كان نمر بن عدوان نموذجًا عشائريًا بدويًا يؤكد نظريتي التي طالما تغنيت بها شخصياً وطالما أكدها لي أخبار السلف من قادة العشائر والقبائل والزعامة.

فكلما قرأت عن شخص عظيم وجدته يعظم من شأن المرأة.

فالرجل المهيب لا يخشى أن تكون امرأته مهيبة (الضعيف وحده فاقد الثقة بالنفس هو من يقلل من شأن المرأة.

الإرث الأدبي والثقافي

أهمية نمر لا تكمن فقط في مكانته القبلية، بل في شعره الذي جمع بين الصدق والعذوبة، والفخر والفروسية، والرثاء والغزل. قصائده ما زالت تُردد في المجالس، وتُدرّس في كتب التراث، ومن أشهرها:

البارحة يوم الخلايق نيّاما

يبحث من كثر البكا كل مكنون

وقصيدته الشهيرة "يا راكب، حيث يقول:

يا راكبٍ ما الحالة الكور شدي

قم يا وليفي واعتلي فوق هيات

لم يقتصر تأثير نمر بن عدوان على البادية الأردنية، بل تجاوزها إلى العالم العربي، وامتد إلى أوروبا، حيث تُرجمت بعض قصائده إلى الألمانية والإنجليزية، وكتب عنه مستشرقون مثل تزستين، الذين رأوا في شعره تعبيرًا صادقًا عن وجدان عربي أصيل.

هذا الاهتمام العالمي يدل على أن التراث المحلي حين يكون صادقًا وعميقًا، يمكن أن يصبح عالميًا، وأن صوت البادية يمكن أن يصل إلى ضفاف أخرى حين يكون نابضًا بالحب والكرامة والصدق.

لقد أصبح نمر بن عدوان رمزًا إنسانيًا، لا فقط شيخًا أو شاعرًا، بل نموذجًا يجمع بين الفروسية والعقل، بين الحب والقيادة، بين الأصالة والانفتاح. إرثه لا يزال حيًا في الذاكرة الأردنية والعربية، يُروى في المجالس، ويُستشهد به في الشعر، ويُستحضر في الحديث عن الوفاء والكرامة والزعامة.

سارة طالب السهيل