
اللواء المتقاعد طارق الحباشنة
في لحظةٍ مفصلية تمرّ بها المنطقة العربية، شكّلت زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ولقاؤه بجلالة الملك عبدالله الثاني، رسالة سياسية واقتصادية وأمنية بالغة الأهمية، تتجاوز طابع المجاملة البروتوكولية إلى تثبيت موقع الأردن وقطر في قلب المعادلات الإقليمية المتغيرة.
فالمنطقة تغلي بالتوترات: حرب دامية مستمرة في غزة، استقطاب إقليمي حاد، أزمة اقتصادية تضرب دولًا عربية عديدة، وتصاعد لمخاطر أمنية غير تقليدية. في خضم كل ذلك، تأتي هذه الزيارة لتؤكد أن الدبلوماسية العربية المرنة والتحالفات الذكية ما تزال ممكنة، بل ضرورية.
اللقاء الملكي-الأميري: شراكة تتجدد لا مجرد زيارة
لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع سمو الشيخ تميم ليس الأول، لكنه يأتي في سياق مختلف وأكثر حساسية. فقد تمحور اللقاء، حسب البيانات الرسمية، حول:
• تطورات القضية الفلسطينية، خاصة ما يجري في غزة.
• توحيد الموقف العربي تجاه تصعيد الاحتلال الإسرائيلي، والحاجة إلى وقف إطلاق النار.
• تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.
• التنسيق الأمني والتعاون الثنائي في قضايا إقليمية أوسع.
وهذا يشير إلى أن الزيارة ليست رمزية، بل ذات بعد استراتيجي على مستوى المواقف والسياسات.
أهمية اللقاء في ظل الظروف الإقليمية الراهنة
1. تصعيد خطير في فلسطين المحتلة
يأتي اللقاء في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق. الأردن وقطر كانا من أبرز الدول العربية التي تحرّكت سياسيًا وإنسانيًا لوقف العدوان، كلٌ من زاويته.
• الأردن، من خلال وصايته الهاشمية على المقدسات ورفضه العلني للتهجير.
• قطر، عبر قنوات الاتصال مع حماس ودورها الحيوي في الوساطات والتهدئة.
هذه الزيارة تُعزز الجبهة السياسية العربية الرافضة للممارسات الإسرائيلية، وتفتح المجال لتنسيق أكبر في الموقف تجاه المجتمع الدولي.
2. التحديات الاقتصادية المشتركة
في ظل أزمة عالمية وركود اقتصادي يطرق أبواب معظم الدول، يبحث الأردن عن شراكات اقتصادية واستثمارية حقيقية. وقطر، باقتصادها القوي، تمثل فرصة واعدة، خاصة في مجالات:
• الاستثمار في البنية التحتية.
• الطاقة المتجددة.
• دعم مشاريع الشباب وريادة الأعمال.
الزيارة تفتح الباب أمام إعادة ضخ استثمارات قطرية جديدة في الأردن، ما يخفف من الضغوط المالية ويخلق فرص عمل.
3. أهمية التنسيق الأمني والاستخباراتي
مع تصاعد تهديدات غير تقليدية (منظمات متطرفة، تهريب، اختراق إلكتروني)، يصبح التنسيق الأمني والاستخباراتي بين دول معتدلة وموثوقة مثل الأردن وقطر أمرًا بالغ الأهمية.
خاصة وأن الأردن يمثل عمقًا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة، وقطر تلعب دورًا محوريًا في العديد من الملفات الإقليمية المعقدة.
التوقعات من الزيارة: ما الذي يمكن أن ينتج عنها؟
على المدى القريب:
• توحيد موقف دبلوماسي في المنظمات الدولية بشأن العدوان على غزة.
• دعم أردني للدور القطري في جهود التهدئة ووقف إطلاق النار.
.توسيع التعاون الاقتصادي والاستثماري عبر الاتفاق على مشاريع جديده
على المدى المتوسط:
• استئناف منتظم لاجتماعات اللجان العليا المشتركة.
• مشاريع مشتركة في البنية التحتية أو التعليم أو الطاقة.
• تبادل في برامج التدريب للشباب والطلاب.
خاتمة: خطوة في الاتجاه الصحيح
زيارة سمو أمير قطر إلى الأردن ليست مجرد زيارة دبلوماسية عابرة، بل هي رسالة ثقة، وتجديد لعلاقات تحالف واستراتيجية تزداد أهميتها في ظل المتغيرات الكبرى في المنطقة.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الشعوب عن أفق جديد وسط الدمار والانقسام، فإن مثل هذه اللقاءات بين قيادات عربية عاقلة وواقعية تمثّل بصيص أمل في إمكانية التفاهم، والشراكة، والمستقبل الأفضل.
فالأردن وقطر، يشتركان في رؤية استقرار إقليمي قائم على الحوار، والاعتدال، والتنمية، وهي الرؤية التي تحتاجها المنطقة اليوم أكثر من أي وقت مضى