القلعة نيوز :
بقلم: الأستاذة غدير زيدان سليمان – باحثة في الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب
في عالم يتغيّر بسرعة غير مسبوقة، لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تقنيًا أو مجرد أداة مساعدة، بل أصبح لاعبًا أساسيًا في تشكيل مستقبل الدول والمجتمعات. ومع اتساع تأثيره في التعليم والصحة والأمن والاقتصاد، يبرز سؤال جديد وحساس:
كيف يمكن أن نحول الذكاء الاصطناعي من تقنية باردة إلى "مواطن رقمي” يحمل قيم المجتمع ويعمل لمصلحته؟
هذا التوجه، الذي بات يُعرف عالميًا باسم الذكاء الاصطناعي المواطني (AI Citizenship)، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة يتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي حدود الحسابات والأتمتة، ليصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي… شريكًا لا منافسًا، وداعمًا لا مهددًا.
---
ما هو الذكاء الاصطناعي المواطني؟
لا يُقصد به منح الذكاء الاصطناعي جنسية، بل تصميم أنظمة ذكية ذات وعي اجتماعي وأخلاقي، قادرة على احترام خصوصية البشر، وتبنّي قيم العدالة، والمساواة، والشفافية.
يرتكز هذا المفهوم على ثلاثة مبادئ محورية:
1. أخلاقيات المسؤولية
ألّا يكتفي الذكاء الاصطناعي بالتحليل والدقة، بل يراعي النزاهة ويحمي البيانات، خصوصًا في القطاعات الحساسة كالصحة والتعليم.
2. الوعي بالشراكة الإنسانية
أن يقدّم المعرفة دون فرض قناعات، ويعزز القرار البشري دون أن يسلبه.
3. خدمة الصالح العام
أن يتحول إلى قوة تنموية، تساهم في الاستدامة وتبني حلولًا للمشكلات بدل أن تزيدها تعقيدًا.
---
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي المواطني شكل حياتنا؟
1. التعليم: عدالة في الفرص
بقدرته على تخصيص المسارات التعليمية، يمكنه سد الفجوات بين الطلبة وتمكينهم وفق قدراتهم وظروفهم.
2. الصحة: رعاية دقيقة وإنسانية
لا يعتمد على التشخيص فحسب، بل يُدمج الأخلاقيات في التعامل مع الملفات الصحية وظروف المرضى.
3. الأمن السيبراني: حماية المجتمع لا الأجهزة فقط
يتحول من "حارس تقني” إلى منظومة استباقية تتنبأ بالتهديدات وتحمي الأفراد والمؤسسات.
4. الاقتصاد: دعم المشاريع الوطنية
يحسّن التخطيط المالي، يقلل الهدر، ويعزز ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
5. السياحة والثقافة: سرد الهوية الوطنية رقميًا
يوفر تجارب فريدة تروي تاريخ البلد وثقافته بأساليب ذكية وتفاعلية.
---
أهميته للعالم العربي… وللأردن تحديدًا
في ظل التحولات الرقمية التي تشهدها المنطقة العربية، يصبح تبنّي نموذج الذكاء الاصطناعي المواطني ضرورة وليست خيارًا.
فهو قادر على:
تعزيز العدالة الرقمية
رفع جودة الخدمات الحكومية
دعم التنمية المستدامة
ربط التكنولوجيا بقيم المجتمع
بناء سياسات وطنية فعّالة
وفي الأردن، حيث تنمو القطاعات التكنولوجية بوتيرة متسارعة، يمكن لهذا المفهوم أن يشكل ركيزة أساسية في:
تطوير منظومة التعليم
دعم الاقتصاد الرقمي
تعزيز الأمن السيبراني الوطني
توفير خدمات حكومية أكثر ذكاءً وإنصافًا
الأردن يمتلك الكفاءات الشبابية والخبرات العلمية القادرة على تحويل هذا المفهوم إلى واقع عملي ضمن رؤية وطنية للتحول الرقمي المسؤول.
---
تحديات الطريق
رغم الإمكانيات الكبيرة، إلا أن تطبيق الذكاء الاصطناعي المواطني يواجه عدة تحديات، أبرزها:
نقص التشريعات المتخصصة
محدودية البيانات المنظمة
مخاوف فقدان الوظائف
ضعف تأهيل الكوادر التقنية في هذا الاتجاه
لكن هذه التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص لبناء أنظمة أكثر وعيًا واحترامًا للإنسان.
---
خلاصة… مجتمع يقوده ذكاء يفهمه
الذكاء الاصطناعي المواطني ليس مستقبلًا بعيدًا، بل ضرورة للحاضر.
وإذا نجحنا في تصميم ذكاءٍ يحترم الإنسان، فسنتجه نحو مجتمع أكثر عدلًا ووعيًا واستدامة.
إن مستقبلنا لن يُبنى بالتكنولوجيا وحدها… بل بذكاءٍ مرتبط بالقيم، ومسؤولية تُشرك الإنسان في صناعة الغد.




