عاهد الدحدل العظامات
يحث ديننا الإسلامي على وجوبيّة إحترام الديانات السماويّة والإحسان في المُعاملة لمُعتنقيها، والتعايش معهم على أساس تقبّل المُعتقدات الأخرى، دون الإنسياق وراء خلق العداوات وإحلال الفتن، وإيجاد تبارير غير مُجديّة إلّا للتفرقة والشحناء والبغضاء بين الناس. ومن مُنطلق ما يدعونا إسلامنا الحنيف إليه من الإحساس والإقساط للآخر، فإننا في بُقعتنا الطاهرة هذه، والتي وسعت في رحابها الجميع، نُمثّل مُجتمعاً واعياً ناضجاً فكره حيال إحلال التعايش كواقع راسخ في الأذهان، وكمبدأ يُعاش ولا يُحاد عنه، إذ أن مجتمعنا الأكثرُ تماسكاً، يُترجم وعيه الكبير إذا ما تعرّض إلى عارض طائفي مُفتعل مِن قبل فئة تنشط في مثل هذه المواسم والأعياد الدينية لتبعث سمومها بين أوساط المُجتمع في محاولة يائسة لإيقاذ الفتنة وخلخلة البُنيّة التعايشيّة.
في الأردن وطن المساواة لا تستطيع أن تُفرّق إذا ما كان هذا مُسلمًا أو ذاك مسيحياً؛ ذلك لأن كلانا يُشبه الآخر، وكلانا يعتنق الأُردنيّةَ في ضميره، ويستهديها في طريقه، وكلانا ينظرُ للآخر على أنه أخاهُ في الوطنيّة الحقّة، وشريكه في الهم والحلم؛ وعندما نتقابل، تُنسى المُعتقدات، وما يبقى حاضراً، هو العلاقة الأخويّة النقيّة التي تؤسَس على إحترامنا لبعضنا وحُبنا لبلدنا وإخلاصنا ووفائنا إلى قيادة هاشميّة جمعتنا على طاولة التآخي والتسامح والتعايش مُنذ بناء الدولة الأردنية، وكفلت مبدأ العدالة والمساواة والحرية بين الجميع، فصرنا كالجسد الواحد شريانه أردني يضخ إنتماء وسلام ووئام.
في بلدنا تبدوا العلاقة بين أبناء الطوائف أكثر فرادة في طبيعتها البنويّة المُقوية والتي لا يُمكن التأثير على متانتها إذا ما هبّت زوابع الإختلاف الذي يُثيرها بعضاً من الذين يكرهون رؤيتنا نتمتع في أرضنا بتلاحم ومحبّة وسلام. لكنهم في ذلك يصطدمون في صلابة تعايشيّة مُجتمعيّة يتشارك فيه أبناء الوطن الواحد الهم والحلم والأحزان والأفراح، مُتقابلين على الإخلاص والإنتماء لوطنهم، يعملون سوياً لنهضته، يلتقطون أنفاسهم تعباً لأجل العيش فيه بسلامٍ وكرامة، في بلادنا، لا ننظر لبعضنا مَن نكون، وأي ديانه نعتنق، يكفينا أن نكون أردنيين مُجتمعين على محبتنا لبعضنا ولبلدنا تحت سماء وفوق أرض إتسعت علينا، وما ضاقت يوماً على أحد مِنا دون الآخر
ألسنا كُلنا بشر، بعيداً عن أي مسار عقائدي نتجه، بعيداً عن الإختلافات، وبمنأى عن القناعات الفطرية والتي إستحالة للمرء أن يُغيرها؛ كُل هذه تفاصيل غير نافعة، ما دُمت مُتمسكاً بثوبك العقائدي الذي تراهُ يزين حياتك، كذلك ليس من حقك أن تُعيّب على الآخرين ما يعتنقونه، ما دامت لُغة الإحترام سائدة، وجوهر العلاقة مبنيًا على الأُلفة والود والتقارب، وما دُمنا نؤمن بأن المصير واحد، والوطن لنا جميعاً، فإن كل مُحاولات التفرقة ستبوء بالخيبة.
أن أعظم رسالة يُمكن تضمينها اليوم: هو أننا مُجتمع متين العلاقة، ولا يستطيع فكراً تطرفيّاً عابراً أن يُحدّث شرخاً أو يُنشئ توتراً طائفياً هدفه الفوضى في ساحتنا وداخل مُجتمعناً، الذي أصبح اليوم أكثر إدراكاً لهذه الأهداف التي لم تعد تنطلي على عقولنا، فصارت تسقط تباعاً أمام ما وصلنا إليه من صلابة وعي.
نحن نعيش بهوية واحدة، هي الهوية الوطنية الأردنية التي تجمع ولا تُفرق. وتُقرّب ولا تُبعّد. فتجد مثلاً: أثنان من الأصدقاء جمعتهم الأقدار بعد غياب على مُفترق ديانات، فهذا خرج من المسجد، وذاك خرج من كنيسة، فإلتقيا عناقاً وشوقاً.




