م. محمد العمران الحواتمة
أين تذهب أموالنا؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يصرخ في عقولنا، ويتردد في أذهاننا كلما تساقط المطر على شوارعنا المُتهالكة، كلما اجتاحنا الفيضان وملأت المياه الطرقات، وكأننا نعيش في مسرح من العبث. المطر الذي كان دوماً رمزاً للخير والبركة، أصبح اليوم علامة على الفشل والإهمال، حيث يُكشف لنا عن هشاشة البنية التحتية وفساد المشاريع التي لا تلبث أن تنهار تحت أول اختبار حقيقي.
نحن في الأردن، في مفترق طريق حاسم. سنوات طويلة مرّت من الخيبات، من المشاريع التي لم تكتمل، ومن العطاءات التي تم تمريرها دون أدنى رقابة، بل ودون أي اهتمام بمصير المواطن الذي يعاني من آثار هذا الإهمال. كم من مرة تساءلنا: ماذا حدث للأموال التي تُرصد لتنفيذ المشاريع؟ أين تذهب هذه المبالغ الضخمة التي تُخصص لتحسين واقعنا؟ الجواب واضح، ومرير في آن واحد: تذهب إلى جيوب المقاولين الذين لا يلتزمون بجودة العمل ولا بمواعيد التنفيذ، بل يستغلون كل فرصة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الوطن والمواطن.
أيها السادة، نحن اليوم أمام مرحلة حاسمة تتطلب مراجعة جذرية لطريقة إدارة المشاريع الحكومية. الأموال العامة ليست مجرد أرقام تُكتب في حسابات الخزينة، بل هي أرواح وأحلام مواطنين تتأثر بهذه المشاريع بشكل مباشر. من المدهش أن نجد مشاريع بملايين الدنانير تُنفذ وتُسلم بعيوب كبيرة، تاركة وراءها صوراً من الخيبة والخذلان. الشوارع التي تُشيد، سرعان ما تتفجر فيها الحفر بعد أول شتاء، والمجاري التي يُفترض بها أن تُنهي معاناتنا من الفيضانات، تصبح هي الأخرى مجاري للخراب.
إلى دولة رئيس الوزراء جعفر حسان، وإلى أعضاء مجلس الأمة، وإلى المجلس الوزاري المحترم، سؤالي لكم هو: ماذا تنتظرون؟ هل آن الأوان لوقف هذه المهزلة؟ هل حان الوقت لوضع حد لهذه العطاءات التي تُنفذ دون مساءلة؟ هل حان الوقت لمحاسبة أولئك الذين يعبثون بالمال العام ويحولون المشاريع الوطنية إلى مجرد حفلات تضييع للوقت، تُسجل في الدفاتر ولا تُترجم إلى واقع ملموس؟ نحن بحاجة إلى تغييرات جذرية، إلى نهج جديد، نضع فيه معيار "المصلحة العامة" فوق كل اعتبار آخر.
الحكومة، وهي تتحمل عبء تنفيذ المشاريع، يجب أن تتحمل كذلك المسؤولية عن كل خطوة تُنفذ على أرض الواقع. يجب أن يتم وضع شروط صارمة لا تُترك أي فرصة للمقاولين والمستثمرين الذين يسعون وراء مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن. إن المشاريع ليست مجرد أرقام أو صفقات، بل هي شرايين حية في جسد الوطن، ولا يجوز السماح بإهدار الأموال العامة بشكل سافر.
لماذا لا يُشترط على المقاولين والمستثمرين ضمان تنفيذ مشاريعهم لمدة عشر سنوات على الأقل؟ لماذا لا نضعهم تحت رقابة صارمة، بحيث يكون لديهم التزام حقيقي بالمحافظة على الجودة طوال فترة التنفيذ وبعدها؟ لا يمكن قبول أن تمر المشاريع مرور الكرام دون ضمانات حقيقية، إذ يُفضّل في هذه المرحلة وضع آلية تضمن حماية حقوق المواطن قبل أي شيء آخر.
إن توفير ضمانات حقيقية، مثل الكفالة طويلة الأمد، أو دفع نصف قيمة العطاء مسبقاً، هو الحل الذي لا مفر منه. إن أي مشروع لا يتضمن ضمانات واضحة حول جودته واستمراريته، هو مشروع يُنظر إليه بعين الشك والريبة. نحن بحاجة إلى قانون قوي، إلى نظام يعاقب على الفشل ويكافئ التميز، وليس مجرد كلام فارغ في الصحف.
الشوارع التي نراها اليوم ليست مجرد طرقات مكسورة، إنها شرايين هذا الوطن. والأحياء التي نعيش فيها ليست مجرد مبانٍ، إنها بيوت أحلامنا وتطلعاتنا لمستقبل أفضل. فكيف يمكن أن نتطلع للمستقبل ونحن نغرق في الحفر والمستنقعات؟ كيف يمكن للبلد أن يزدهر إذا كانت مشاريعه تتعثر على الأرض؟ ماذا يعني الوطن إذا كان كل مشروع فيه يُسلم بطريقة عشوائية ويُختتم بتسويات مهملة؟
إن المسؤولية اليوم تقع على عاتقكم. المسؤولية تتطلب منكم أن تقفوا في وجه هذا العبث، وتُعيدوا الأمل للمواطنين الذين باتوا ييأسون من المشاريع التي لا تنتهي، من الوعود التي لا تتحقق، ومن العطاءات التي تذهب سدى.
كفانا! لا مزيد من التهاون! لا مزيد من الوعود التي تُكتب على الورق وتُنسى في اليوم التالي! إن المواطن الأردني اليوم يتوق لمشاريع حقيقية، مشاريع تُنفذ بتخطيط طويل الأمد، مع ضمانات حقيقية لنجاحها واستدامتها. نحن بحاجة إلى أن نثبت للجميع أننا نستطيع بناء وطن يرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهه. وطن تتحقق فيه الأمانة والشفافية، وتكون المصلحة العامة هي المعيار، وليس المصالح الشخصية والرشاوى.
فيا دولة رئيس الوزراء، أنت أمام امتحان حقيقي. أنت أمام اختبار لا يمكن تأجيله أو التلاعب فيه. هل أنتم على قدر المسؤولية؟ أم ستتركونا نغرق في المزيد من الخيبات، في برك المياه، والتعثرات التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية؟




